صفحة رقم ١٨٥
هزت اجتنى الهازّ ثمراتها التي لا نهاية لها، عالماً بأنها من فتح مولاه لا صنع له فيها بوجه، بل له سبحانه المن عليه في جميع ذلك وكما أن الشجر لا تتم إلا بعرق راسخ وأصل قائم وفروع عالية، فكذلك الإيمان لا يتم إلا بمعرفة القلب وقول اللسان وعمل الأركان، ثم أتبعه مثل حال الأعداء فقال :( ومثل كلمة خبيثة ) أي عريقة في الخبث لا طيب فيها ) كشجرة خبيثة (.
ولما كان من أنفع الأمور إعدامها والراحة من وجودها على أيّ حالة كانت، بنى للمفعول قوله :( اجتثت ) أي استؤصلت بقلع جثتها من أصلها ) من فوق الأرض ( برأي كل من له راي ؛ ثم علل ذلك لقوله :( ما لها ( وأعرق في النفي بقوله :( من قرار ) أي عند من له أدنى لب، لأنه لا نفع لها بل وجودها ضار ولو بشغل الأرض، فكذلك الكلمة الخبيثة الباطلة لا بقاء لها أصلاً وإن علت وقتاً، لأن حجتها داحضة فجنودها منهزمة.
إبراهيم :( ٢٧ - ٢٩ ) يثبت الله الذين.....
) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَآءُ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ( ( )
فلما برز الكلام إلى هذين المثالين، حصل التعجب ممن يترك ممثول الأول ويفعل ممثول الثاني، فوقع التنبيه علىأن ذلك بفعل القاهر، فقال تعالى - جواباً لمن كأنه قال : إن الصريح الحق، ثم إنا نجد النفوس مائلة إلى الضلال، وطائشة في أرجاء المحال، فكيف لنا لامتثال ؟ ) يثبت الله ) أي الذي له بالجلال والجمال ) الذين آمنوا ) أي أوجدوا هذه الحقيقة ولو على أقل درجاتها ) بالقول الثابت ) أي الذي هو متابعة الدليل ) في الحياة الدنيا ( بمثل ما تقدم م مجاولات أنبيائه ) وفي الآخرة ( ويهديهم عند كل سؤال إلى أحسن الأقوال حيث تطيش العقول وتده الأفكار لشدة الأهوال ) ويضل الله ) أي الذي له الأمر كله ) الظالمين ) أي العريقين في الظلم، ويزلزلهم لتقلبهم في الظلمات التي من شأن صاحبها الضلال والخبط، فيفعلون ما لا يرضاه عاقل، فالآية من الاحتباك : ذكر الثبات أولاً دليلاً على ضده ثانياً، والإضلال ثانياً دليلاً على الهدى أولاً ) ويفعل الله ) أي الذي له الأمر كله، فلا يسأل عما يفعل ) ما يشاء ( لأن الكل بحكمه وقضائه وهو القادر القاهر، فلا يتعجب من شيء، وفي هذا إرشاد إلى الإقبال عليه وإلقاء أزمّة الافتقار إليه ؛ روى البخاري في التفسير وغيره ومسلم في أواخر صفة الجنة والنار عن البراء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى