صفحة رقم ١٩٢
لولا عنايتك فيشتغلوا بعبادتك لإعنائك لهم وإحسانك إليهم، وقد أجاب الله دعوته ؛ فالآية لتذكير قريش بهذه النعم الجليلة عليهم ببركة أبيهم الأعظم الذي نهى عن عبادة الأوثان.
إبراهيم :( ٣٨ - ٤٠ ) ربنا إنك تعلم.....
) رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَآءِ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ ( ( )
ولما فرغ من الدعاء بالأهم من الإبقاء على الفطرة الأولى المشوقة للعزائم إلى العكوف في دارة الأنس، ومن الكفاية لهم المعاش، المنتج للشكر بإنفاق الفضل، وتبين من ذلك أنهم خالفوا أعظم آبائهم في جميع ما قصده لهم من المصالح، أتبعه ما يحث على الإخلاص في ذلك وغيره له ولغيره ليكون أنجح للمراد بضمان الإسعاد ولا سيما مع تكرير النداء الدال على مزيد التضرع فقال :( ربنا ) أي أيها المحسن إلينا المالك لجميع أمورنا ) إنك تعلم ما ) أي جميع ما ) نخفي وما نعلن ( ثم أشار إلى عموم علمه فقال :( وما يخفى على الله ) أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً.
وبالغ في النفي فقال :( من شيء ( من ذلك ولا غيره ) في الأرض ( ولما كان في سياق المبالغة، أعاد النافي تأكيداً فقال :( ولا في السماء ) أي فهو غير محتاج إلى التعريف بالدعاء، فالدعاء إنما هو لإظهار العبودية، واسم الجنس شامل لما فوق الواحد، ومن فوائد أحدهما عن الآخر، كان محيطاً بغيرهما كذلك من غير فرق.
ولما تم ما دعا به من النزاهة عن رجاسة الشرك وتبين بتقديمه أن أهم المهمات البراءة منه، أتبعه الحمد على ما رزق من النعم وما تبع ذلك من الإشارة إلى وجوب الشكرفقال :( الحمد لله ) أي المستجمع لصفات الكمال ) الذي وهب ( والهبة : هبة تمليك من غير عقد، منّاً منه ) لي ( حال كوني مستعلياً ) على الكبر ( ومتمكناً منه على يأس من الولد ) إسماعيل ( الذي أسكنته هنا ) وإسحاق ( وهذا يدل على ما تقدم فهمي له من أن هذا الدعاء كان بعد بناء البيت وطمأنينته بإسحاق عليه السلام، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سنه كان عند ولادة إسماعيل عليه السلام تسعاً وتسعين سنة، وعند ولادة إسحاق عليه السلام كان مائة سنة واثنتي عشرة سنة.
ولما كان إتيان الولد له في سن لا يولد فيه لمثله، وجميع ما دعا به من الخوارق فوجوده لا يكاد يصدق، أشار إلى ذلك بتأكيد قوله :( إن ربي ) أي المحسن إليّ


الصفحة التالية
Icon