صفحة رقم ٢٠٣
تعالى
٧٧ ( ) إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى ( ) ٧
[ يوسف : ١٠٩ ] وتأتي بقيتها إن شاء الله تعالى في سورة سبحان عند قوله
٧٧ ( ) وفي آذانهم وقراً ( ) ٧
[ الكهف : ٥٧ ].
ولما وصف سبحانه هذا القرآن بما وصفه من العظمة والإبانة لجميع المقاصد التي منها سؤال الكفرة عند رؤية العذاب التأخير للطاعة في قوله تعالى ) وانذر الناس يوم يأتيهم العذاب ( كان كأنه قيل : ما له لم يبين للكفرة سوء عاقبتهم بياناً يردهم ؟ فقال سبحانه باسطاً لقوله ) ولينذروا به ( ) ربما يود ( أشار تعالى بكونه مضارعاً إلى أن ودهم لذلك يكون كثيراً جداً متكرراً، وإيلاءه لربما - وإنما يليها في الأغلب الماضي - معلم بأنه مقطوع به كما يقطع بالماضي الذي تحقق ووقع ) الذين كفروا ) أي لو وقتاً ما والود : التمني وهو تقدير المعنى في النفس للاستمتاع، وإظهار ميل الطباع له إليه، وفيه اشتراك بين التمني والحب - قال الرماني، وهو هنا للتمني فإنه بين مودودهم بقوله :( لو كانوا ) أي كوناً جبلياً ) مسلمين ) أي عريقين في وصف الإسلام من أول أمرهم إلى آخره ؛ قال الرماني : والإسلام : إعطاء الشيء على حال سلامة كإسلام الثوب إلى من يقصره، وإسلام الصبي إلى من يعلمه، فالإسلام الذي هو الإيمان - إعطاء معنى الحق في الدين بالإقرار والعمل به - انتهى.
وقد كان ما أخبر الله به فقد ندم كل من أسلم من الصحابة على تأخير إسلامه لما علموا فضل الإسلام ورأوا فضائل السابقين - كما هو مذكور في السير وفتوح البلدان وسيكون ما شاء من ذلك في القيامة وما قبلها، فالمعنى أنكم إن كذبتم في القطع - في نحو قوله
٧٧ ( ) فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا ( ) ٧
[ إبراهيم : ٤٤ ]، الآية - بأنكم ترجعون عن هذا الشمم وتتبرؤون من هذه السجايا والهمم فتسألون الله تعالى في الطاعة، وقد فات الفوت بحلول حادث الموت إلى غيرهن فلا أقل من أن يكون عندكم شك في الأمور التي يجوز كونها، ولا ينبغي حينئذ للعاقل ترك الاهتمام بالاستعداد على تقدير هذا الاحتمال، هذا - أعني التقليل - مدلول ( رب )، وقال بعضهم : إنها قد ترد للتكثير، وقال الجمال ابن هشام في كتاب المغني : إنه أغلب أحوالها، واستدل بشواهد لا تدل عند التأمل.
ولا يصح قول من نسب إلى الكشاف ذلك، فإن كلامه مأخوذ من الزجاج، وعبارة الزجاج - كما نقلها الإمام جنال الدين محمد بن المكرم في كتابه لسان العرب ومن خطة نقلت : من قال : إن رب يعني بها التكثير فهو ضد ما تعرفه العرب، فإن قال قائل : فلم جازت في قوله ) ربما يود الذين كفروا ( و ) رب ( للتقليل ؟ فالجواب أن العرب خوطبت بما تعلمه في التهدد، والرجل يتهدد الرجل فيقول : لعلك ستندم على فعلك ؟ وهو لا يشك أنه يندم، ويقول : ربما ندم الإنسان على ما صنعت، وهو يعلم أن الإنسان يندم كثيراً، ولكن مجازه أن هذا لو كان


الصفحة التالية
Icon