صفحة رقم ٢٠٧
أصلابهم، وأجاب سبحانه عن الأول بقوله مؤكداً لتكذيبهم :( إنا نحن ) أي على ما لنا من العظمة لا غيرنا من جن ولا إنس ) نزلنا ) أي بالتدريج على لسان جبريل عليه السلام ) الذكر ) أي الموعظة والشرف ) وإنا له ) أي بعظمتنا وإن رغمت أنوف الحاسدين ) لحفظون ) أي دائماً، بقدرتنا وعلمنا، لما في سورة هود من أن ذلك لازم للحفظ فانتفى حينئذ جواز أن ينزل على مجنون مخلط لا سيما هود علىهذه الأساليب البديعة والمناهيج الرفيعة، فكأن المعنى : أرسلناك به حال كونك بشراً لا ملكاً قوياً سوياً، يعلمون أنك أكملهم عقلاً، وأعلاهم همة، وأيقنهم فكراً، وأتقنهم أمراً وأوثقهم رأياً، وأصلبهم عزيمة ؛ روى البخاري في التفسير والفتن عن زيد بين ثابت رضي الله عنه قال : أرسل إليّ أبو بكر رضي الله عنه مقتل أهل اليمامة وعنده عمر رضي الله عنه، فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس - وفي رواية : بقراء القرآن - وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في الموطن، فيذهب كثير من القرآن، إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن، قال أبو بكر : فقلت لعمر : كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ فقال عمر : هو والله خير فلم يزل عمر يراحعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر.
قال زيد بين ثابت : وعمر جالس عنده لا يتكلم، فقال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلت : كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتتبع القرآن فقال أبو بكر : هو والله خير فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة - أو أبي خزيمة - الأنصاري، لم أجدهما - أي مكتوبتين - عند أحد غيره ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( - إلى آخرها، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله تعالى ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم حفصة بنت عمر - رضي الله عنهم.
وساق هذا الأثر أيضاً في


الصفحة التالية
Icon