صفحة رقم ٢١٧
والطواعية والهوان، فذكر أصل الإنسان وما وقع له من إبليس - الذي هو أصل الجن كما أن آدم عليه السلام أبو البشر - من الكيد حتى أخرجه من دار الصفاء إلى دار الكدر، ليحذره العقلاء من بني آدم، وفي التنبيه بابتداء الخلق على وصول البشر إلى أصل كان بمحض القدرة مخالف لهم في التكوين بين أبوين، وانتهاء الجن إلى أصل ليس خلقه كخلقهم تنبيه عظيم على انتهاء الموجودات إلى موجود لا يجانسهم، بل هو خالق غير مخلوق، فاعل بالاختيار، واحد لا شريك له، ولا اعتراض عليه، قادر على ما يريد سبحانه، وفي خلقه من الماء - الذي هو كالأب - والطين - الذي هو كالأم - بمساعدة النار والهواء من الحكمة أن يكون ملائماً لما في هذا العالمن فيكون بقاءه بذلك الذي خلق منه في مأكله ومشربه وملبسه وسائر أموره، وذلك أدل على حكمة الخالق وعلمه ووحدانيته.
ومادة ( صل ) تدور على الصلصال الذي هو الطين مطلقاً، أو الطين الحر يخلط بالرمل، أو الطين ما لم يجعل خزفاً، ويتفرغ جميع معاني المادة منه، لأن من لوازمه في أوله الماء واللين بنداوته وسهولة خلطه لغيره، فيأتي الخفاء لأنه يغرز فيه بغير صوت، ومنها قبول التصفية من الغش، ومنها في آخره الصلابة لشدة اليبس، فيلزم تضامّى الأجزاء وتضايقها على انتظام أو غير انتظام، والصوت، وشدة الانفصال بالتشقق، ومن لوازمه التغير بالنتن، فيأتي الخبث والفساد، ومن لوازمه شدة الاختلاط بحيث إذا نشب فيه شيء عسر خلاصه، ومن لوازمه تميزه عما عداه، ومحل يصنع فيه.
فمن الصوت واليبس : صليل الحديد والإبل ونحو ذلك، يقال : صل الحديد واللجام : امتد صوته، فإن توهم ترجيع الصوت قيل : صلصل، وصل البيض : سمع له طنين عند القراع، والمسمار صليلاً : ضرب فأكره أن يدخل في الشيء، والإبل صليلاً : يبست أمعاؤها من العطش فسمع لها صوت عند الشرب.
ومن الصوت : صلصل : أوعد وتهدد، وقتل سيد العسكر - لظهور الصيت بذلك، وصلصل الرعد : صفا صوته، والكلمة : أخرجها متحذلقاً، وطائر أو الفاختة، والراعي الحاذق، والمصلل - كمحدث : السيد الكريم الحسيب، والخالص النسب، والأسكف وهو الإسكاف عند العامة، وتصلصل الغدير : جفت حمأته، فتهيأ لأن يصوت يبسه، والحلي : صوت، وحمار صُلصُل وصُلاصل - بضمها، وصلصال ومُصلصِل : مصوت.
ومن النتن : صلول اللحم والماء، يقال : صل اللحم صلولاً : أنتن، والماء : أجن، والصليان - بكسرتين مشددة اللام : ما تغير من اللحم، والصلة - بالضم : الريح المنتنة.