صفحة رقم ٢٢١
) مسنون ) أي مصور بصورة الآدمي في تجويفه وأعضائه كأنه مصبوب في قالب ؛ قال الرماني : وأصله الاستمرار في جهة من قولهم : على سَنن واحد ) فإذا سويته ) أي عدلته وأتممته وهيأته لنفخ الروح تهيئة قريبة من الفعل ) ونفخت فيه من روحي ) أي خلقت الحياة فيه كما تعلق النار بالفتيلة بالنفخ، وهو تمثيل، وأضاف الروح إليه تشريفاً، وهو ما يصي به الجسم حياً، وأشرف منه ما يصير به الروح عالماً، وأشرف منه ما يصير به العالم عاملاً خاشعاً ) فقعوا له ) أي تعظيماً، حال كونكم ) ساجدين ) أي اسجدوا له سجود من كان في مبادرته به وسهولة انقياده كأنه وقع من غير اختياره ) فسجد الملائكة ) أي بسبب هذا الأمر من غير توقف لما جاء الوقت الذي أمرتهم فيه لذلك البشر، وهو أبوكم آدم عليه السلام وأنتم في صلبه ) كلهم أجمهون (.
الحجر :( ٣١ - ٣٥ ) إلا إبليس أبى.....
) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ يإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ( ( )
ولما أبلغ في تأكيد ما أفهمه الجمع، استثنى فقال :( إلا إبليس ( قيل : هو من قوم من الملائكة، و قيل : بل - لكونه كان واحداً بينهم منضافاً إليهم عاملاً بأعمالهم - كان معموراً فيهم، فكان كأنه منهم، فصح استثناءه لذلك، فكأنه قيل : ما فعل.
فقيل استعظاماً لمخالفته :( أبى أن يكون ) أي لشكاسة في جبلته ) من الساجدين ( أو إنه لم يقلك فأبى - بالعطف، لأن الاستثناء منقطع، فإن إبليس من نار والملائكة من نور، و هم لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون بخلافة، فكأنه قيل : فما فعل به الملك ؟ فقيل : لم يعاجله بالعقوبة، بل أخره إلى أجله المحكوم به في الأزل كما أنه لم يعاجلكم لذلك، فكأنه قيل : فما قال له ؟ فقيل :( قال ( له ليقيم الحجة عليه عند الخلائق ظاهراً كما قدمت عليه الحجة في العلم باطناً :( يا إبليس ( اختار هذا الاسم هنا لأن الإبلاس معناه اليأس من كل خير، والسكون والانكسار، والحزن والتحير، وانقطاع الحجة والندم ) مالك ) أي شيء لك من الأعذار في ) ألا تكون ) أي بقلبك وقالبك ) مع الساجدين ( لمن أمرتك بالسجود له وأنت تعلم مما أنا عليه من العظمة والجلال ما لا يعلمه كثير من الخلق ) قال لم أكن ( وأكد إظهاراً للإصرار والإضرار بالكبر فقال :( لأسجد لبشر ) أي ظاهر البدن، لا قدرة له على التشكل والتطور ) خلقته من صلصال ) أي طين يابس لا منعة فيه، بل إذا نقر أجاب بالتصويت ) من حمإٍ ) أي طين متغير أسود كدر ) مسنون ) أي مصور بصورة الفخار متهيئ للدلك، لا يرد يد لامس، وأنا خي منه لأنك خلقتني من نار نافعة بالإشراق، ممتنعة ممن يريدها