صفحة رقم ٢٢٣
زمان موت الأحياء الخارجين من دار الخلد، ثم بعث الأموات، ثم الفصل بينهم بإحلال كل فريق في داره، قال :( يوم ( ولما كان الوقت أدل ألفاظ الزمان على الأجل، قال :( الوقت ( ولما كان قد دبج في سؤاله هذا تدبيجاً أوهم تجاهله بتحتم الموت على كل مكلفن بين تعالى أنه مما لا يجهل فقال :( المعلوم ) أي الذي قارت عليك الموت فيه، وهو النفخة الأولى وما يتبعها من موت كل مخلوق لم يكن في دار الخلد.
ولما أفهم ما تقدم - كما قلنا - الحكم بإغوائه، كان السامع كأنه قال : فماذا قال ؟ فقيل :( قال ( منسوباً نفسه بالمعبود العلي - الذي لا يسأل عما يفعل، وكل أفعاله عدل وحكمة - بعد أن رفع نفسه على العبد البشري :( رب ) أي أيها الموجد والمربي لي وعزتك ) بما أغوتني ) أي بسبب إغوائك لي من أجلهم، وللاهتمام بهذا السبب قدمه على جواب القسم الدال على المقسم به، وهو قوله :( لأزينن لهم ) أي تزييناً عظيماً، المعاصي والمباحات الجارّة إليها الشاغلة عن الطاعة الصارفة عنها ) في الأرض ) أي التي هي محل الغفلة وهم منها، والشيء إلى ما هو منه أميل، فهي بهذا التقدير مساوية لآية ( ص ) ( فبعزتك ) ؛ والتزيين : جعل الشيء متقبلاً في النفس من جهة الطبع والعقل بحق أو بباطل ) ولأغوينهم ) أي بالإضلال عن الطريق الحميدة ) أجمعين ( انتقاماً لنفسي ) إلا عبادك منهم ) أي المشرفين بالإضافة إليك، فهم لذلك لا يميلون عنك إلى شيء سواك، فلذلك أبدل منهم ) المخلصين ( فزاد بهذا الكلام في الضلال، ولم يقدر أن يقول بدل ذلك : ربّ عليّ - ونحوه من الاستعطاف كما قال آدم عليه السلام لما حفه اللطف وداركه العفو، فارعوا هذه النعمة والإخلاص : إفراد الشيء عما يشربه من غيره، فكأنه قيل : فبماذا أجيب ؟ فقيل :( قال ( الله في جوابه، راداً على ما أوهمه كلامه من أن له فعلاً بستقل به، مكذباً له :( هذا ) أي الذي ذكرته من حال المستثنى والمستثنى منه ) صراط عليّ مستقيم ( لأني قضيت به ولو لم تقله أنت وحكمت به عليك وعليهم، فلا محيص لكم عنه، فكأنه قيل : عليّ إقامته، أو هو وارد عليّ ألا عوج لسالكيه عن الرجوع إليّ - يعني أنه لا يقدر أحد أن يعمل شيئاً بغير إرادتي، فإني بالمرصاد ؛ ثم شرح ذلك بقوله - مضيفاً جميع العباد إليه كما هو الحقيقة، نافياً ما قد يوهمه الكلام من أن لإبليس عملاً مستقلاً - :( إن عبادي ) أي عامة ) ليس لك ) أي بوجه من الوجوه ) عليهم سلطان ) أي لتردهم كلهم عما يرضيني ) إلا من اتبعك ) أي بتعمد منه ورغبة في اتباعك ) من الغاوين ( ومات عن غير توبة ؛ فإني جعلت لك عليهم سلطاناً بالتزيين والإغواء، وقيل وهو ظاهر : إن الإضافة للتشريف، فلا تشمل إلا الخلص، فحينئذ يكون الاستثناء منقطعاً، وفائدة سوقه بصورة الاستثناء -