صفحة رقم ٢٣٢
عيش الحيوان فيه، وعدم النفع به، ومن جهة فظاعة منظرة - وغير ذلك من أمره ) للمتوسمين ( جمع متوسم، وهو الناظر في السمة الدالة - وهي الأثر ذلك، فهو إلهاب لهم وتبكيت ؛ ثم بين أن ذلك غير خفي عنهم ولا بعيد عمن أراد الاتعاظ به، فقال جعلاً لهم - لعدم اعتبارهم بها ومع رؤيتهم إياها في كل حين - في عداد المنكرين :( وإنها ) أي هذه المدائن ) لبسبيل مقيم ) أي ثابت، وهو مع ذلك مبين، فالاعتبار بها في غاية السهولة لقومك، وكانوا يمرون عليها في بعض أسفارهم إلى الشام.
ولما أشار سبحانه إلى الاستدلال بالتوسم الدال - مما هي عليه من المخالفة لسائر مياه الأرض العذبة الورادة إليها على كيثرتها ومع أن البلاد التي هي بها من أبهج البلاد في عذوبة المياه وطراوة الأرض وحسن الأشجار وغير ذلك - على أن لها نبأ هو في غاية الغرابة، وأتبع ذلك سهولة الوصول إليها حثاً على إتيانها بقصد نظرها والاعتبار بها والسؤال عن سبب كونها كذلك، قال تعالى مشيراً إلى زيادة الحث بالتأكيد :( إن في ذلك ) أي الأمر العظيم من حالها ) لآية ) أي علامة عظيمة في الدلالة علينا ) للمؤمنين ) أي الراسخين في الصدق والتصديق، فإذا أخبروا أن سبب كونها هكذا أن الله أمر بعض جنده فرفعها ثم قلبها ثم أتبعها الحجارة ثم خسف بها وغمرها بهذا الماء - الذي هو في القذارة وعدم الثمرة مناسب لأفعال أهلها - لأجل عصيانهم رسوله صلى الله علية وعلى آله وسلم، آمنوا حذراً من مثل هذا العذاب إيماناً بالغيب.
ولما ذكر هذه القصة، ضم إليها ما هو على طريقها مما عذب قومه بنوع آخر من العذاب يشابه عذاب قوم لوط في كونه ناراً من السماء، فقال مؤكداً لأجل إنكار الكفار أن يكون عذابهم لأجل التكذيب، أو عدّاً لهم - لأجل تماديهم على الغواية مع العلم به - عداد المنكرين :( وإن ) أي وإنه ) كان ) أي جبلة وطبعاً ) أصحاب الأيكة ( وهم قوم شعيب عليه السلام ؛ والأيكة : الشجرة - عن الحسن، وجمعه الأيك كشجرة وشجر، وقيل : الأيكة : الشجر الملتف ) لظالمين ) أي العريقين في الظلم ) فانتقمنا منهم ) أي بسبب ذلك ؛ ثم أخبر عن البلدين لتقاربهما في العذاب والمكان وكونهما على طريق واحدة من طرق متاجر قريش فقال :( وإنهما ) أي قرى قوم لوط ومحال أصحاب الأيكة ) لبإمام ) أي طريق يؤم ويتبع ويهتدي به ) مبين ( واضح لمت أراده، بحيث إنه من شدة وضوحه موضح لعظمة الله وانتصاره لأبيائه ممن يكذبهم، وهو مع وضوحه مقيم في مكانه لم تندرس أعلامه، ولم تنطمس آثاره، فالآية من الاحتباك : ذكر في الأولى ) مقيم ( دلالة على حذف مثله ثانياً، وفي الثانية ) مبين ( دلالة على حذف مثله أولاً.


الصفحة التالية
Icon