صفحة رقم ٢٣٧
ولما كان الغالب على الخلق التقصير، قال له :( وقل ) أي للفريقين، مؤكداً لما للكفار من التكذيب، ولما للمؤمنين به من طيب النفس :( إني أنا ) أي لا غيري من المنذرين بالأعداء الدنيوية ) النذير المبين ( لمن تعمد التقصير إنذاري منقذ له من ورطته، لأنه محتف بالأدلة القاطعة.
ولما ذكر ما التحم بقصة أصحاب الحجر المقتسمين على قتل رسولهم، وختمه بالإنذار الذي هم أهله، عاد إلى تتميم أمرهم فشبههم بمن كذب من هذه الأمة فقال :( كما ) أي كذب أولئك وآتيناهم آياتنا فأعرضوا عنها ففعلنا بهم من العذاب ما هم أهله مثل ما ) أنزلنا ) أي بعظمتنا من الآيات ) على المقتسمين ) أي مثلهم من قريش حيث اقتسموا شعاب مكة، ينفرون الناس عنك ويفرقون القول في القرآن، فلا تأس عليهم لتكذيبهم وعنادهم مع رؤيتهم الآيات البينات، فإن سنتنا جرت بذلك فيمن أردنا شقوته كقوم صالح ؛ ثم قال :( الذين ) أي مع أنهم تقاسموا على قتلك واقتسموا طرق مكة للتنفير عنك ) جعلوا القرءان ( بأقوالهم ) عضين ) أي قسموا القول فيه والحال أنه جامع المعاني، لا متفرق المباني - منتظم التأليف أشد انتظام.
متلائم الارتباط أحكم التئام، كما قدمنا الإشارة إليه بتسميته كتاباً وقرآناً، وختمنا بأن ذلك على وجه الإبانة لاخفاء فيه، فقولهم كله عناه، فقالوا : سحر، وقالوا : شعر، وقالوا : كهانة، وقالوا : أساطير الأولين - وغير ذلك، أنزلنا عليهم آياتنا البينات وأدلتنا الواضحات، فأعرضوا عنها واشتغلوا بما لا ينفعهم من التعنت وغيره دأب أولئك فليرتقبوا مثل ما حل بهم، ومثلهم كل من تكلم في القرآن بمثل ذلك مما لا ينبغي من العرب وغيرهم ؛ وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ) جعلوا القرآن عضين ( قال : هم أهل الكتاب : اليهود والنصارى، جزؤوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.
وسيأتي معنى هذه اللفظة ) فوربك ) أي فتسبب عن فعلهم هذا أنا نقسم بالموجد لك، المدبر لأمرك، المحسن إليك بإرسالك ) لنسئلنهم أجمعين ) أي هؤلاء وأولئك ) عما كانوا ) أي كوناً هو جبلة لهم ) يعلمون ) أي من تعضية القرآن وغيرها لأنا نسأل كلاًّ عما صنع ) فاصدع ) أي اجهر بعلو وشدة، فارقاً بين الحق والباطل بسبب ذلك ) بما تؤمر ( به من القرآن وكتاب مبين ) وأعرض ) أي إعراض من لا يبالي ) عن المشركين ( بالصفح الجميل عن الأذى والاجتهاد في الدعاء، ويؤيد أن قوله ) كما ( راجع إلى قصة صالح ومتعلق بها - وإن لم أر من سبقني إليه - ذكرُ الوصف الذي به تناسبت الآيتان وهو الاقتسام، ثم وصف المقتسمين بالذين جعلوا القرآن عضين، لئلا يظن أنهم الذين