صفحة رقم ٢٣٩
كما تظنون، ولما كان إتيانها لهذا العرض مما يشفي القلب لإدراك الثأر وهو حق لا بد منه، تسبب عنه قوله تعالى ) فاصفح الصفح الجميل (.
ولما كانت النفس بخبر الأعلم أوثق، وكان صانع الشيء أعلم به من غيره فكيف إذا كان مع تام للعلم قال الله تعالى معللاً لذلك ) إن ربك ) أي المحسن إليك ) وهو الخلاّق ) أي التام القدرة على الإيجاد والإعدام، الفعال لذلك ( العليم ) البالغ العلم ؛ ولما ختم بهذين الوصفين بعد تقدم الأخبار عما أوتى أهل الحجر من الآيات، وأنه خلق الوجود بالحق لا بالتمويه، وكان ذلك موجباً لتوقع الإخبار عما أوتي هذا النبي الكريم منها لإرشاد أمته، وكانت الآيات إما أن تكون من قسم الخلق كآية صالح، أو من قسم الأمر الذي هو مدار العلم، أشار إلى تفضيله ( ﷺ ) بفضل ابنه، فقال عاطفاً على ذلك ) ولقد ءاتيناك ) أي إن كنا أتينا صالحاً أو غيره آية مضت فلم يبق إلا ذكرها فقد آتيناك ) سبعاً من المثاني ( وهي الفاتحة التي خصصت بها، ثنى فيها البسملة للمبادئ، والحمدلة للكمالات، والرحمانية والرحيمية فيها للإبداع الأول والمرضي من الأعمال، وملك الدنيا المسمى بالربوبية لكونه مستوراً، وملك يوم الدين، وبينهما رحمانية الإيجاد الثاني بالمعاد ورحيمية الثواب للمرضي من الأسباب، والعبادة التي لا تكون إلا مع القدرة والاختيار، والاستعانة الناظرة إلى العجز عن كمال الاقتدار، والهداية بالهادي والمهدي، والضلال في مقابل ذلك بالمضل والضال، وفي ذلك أسرار لا تسعها الأفكار ) والقرآن الكريم ( الجامع لجميع الآيات مع كونه حقاً ثابتاً لا سحراً وخيالاً، بل هو باقية على وجه الدهر، مستمراً أمرها، دائماً تلاوتها وذكرها، تفني الجبال الرواسي وهي باقية، وتزول السماوات والأراضي وهي جديدة، إذا اصطف عسكر الفجرة قالت كل آية منها هل من مبارز ؟ وإن رام عدو مطاولة لتحققه بالضعف صاحت لدوام قوتها : إني أناجز فلا تقوم لها قائم، ولا يحوم حول حماها حائم، ولا يروم خوض بحرها رائم.
ولما كانت هذه الآية لصاحبها مغنية، ولمن فاز بقبولها معجبة مرضية، حسن كل الحسن اتباعها بقوله ) لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم ( ولما كان كفرهم بعد بيانها غنما هو عناد، قال تعالى ( ولا تحزن عليهم ) ولما كان الغني بها ربما طن حسن أنفة الغنى، عقبه قوله ) واخفض جناحك للمؤمنين ( ولما كان ربما ظن أن تلاوتها تغني عن الدعاء لا سيما لمن أعرض، نفي ذلك بقوله ) وقل إني أنا النذير المبين ( تحريضاً على الاجتهاد في التحذير، وتثبيتاً للمؤمنين وإرغاماً للمعاندين، واستجلاباً لمن أراد الله إسعاده من الكافرين، إعلاماً بأن القلوب للمؤمنين بيد الله سبحانه وتعالى، فلا وثوق مع ذلك بمقبل، ولا يأمن عن مدبر.