صفحة رقم ٢٤٤
ولما كانت العجلة نقصاً، قال مسبباً عن هذا الإخبار :( فلا تستعجلوه ( أيها الأعداء استهزاء، وأيها الأولياء استكفاء واستشفاء، وذلك مثل ما أفهمه العطف في قوله تعالى ) وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ( كما تقدم ؛ والضمير يجوز أن يكون لله وأن يكون للأمر.
ولما كان الجزم بالأمور المستقبلة لا يليق إلا عند نفوذ الأمر، ولا نفوذ إلا لمن لا كفوء له، وكانت العجلة - وهي الإتيان بالشيء قبل حينه الأولى به - نقصاً ظاهراً لا يحمل عليها إلا ضيق الفطن، وكان التأخر لا يكون إلا عن منازع مشارك، نزه نفسه سبحانه تنزيهاً مطلقاً جامعاً بقوله تعالى :( سبحانه ) أي تنزه عن الاستعجال وعن جميع صفات النقص ) وتعالى ) أي تعالياً عظيماً جداً ) عما يشركون ) أي يدعون أنه شريك له، فلا مانع له مما يريد فعله، وساقه في غير قراءة حمزة والكسائي - في أسلوب الغيبة، إظهاراً للإعراض الدال على على شدة الغضب، وهي ناظرة إلى قوله آخر التي قبلها
٧٧ ( ) وأعرض عن المشركين ( ) ٧
[ الحجر : ٩٤ ] وقوله :
٧٧ ( ) الذين يجعلون مع الله إلهاً ءاخر ( ) ٧
[ الحجر : ٩٦ ] وقد آل الأمر في نظم الآية إلى أن صار كأنه قيل : إنه لا يعجل لأنه منزه عن النقص، ولا بد من نفاذ أمره لأنه متعالٍ عن الكفوء ؛ أو يقال : لا تستعجلوه فلا بد من وقوعه، فهي واقعة موقع التعليل لصدر الآية تعليل لآخر سورة الحجر.
ولما تقرر بذلك تنزهه عن كل نقص : شرك وغيره، شرع يصف سبحانه بصفات الكمال من الأمر والخلق، ولما كان الأمر أقدم وأعلى، بدأ به، ولما كان من أمره إنزال الملائكة على الصورة التي طلبوها في قولهم
٧٧ ( ) لو ما تأتينا بالملائكة ( ) ٧
[ الحجر : ٧ ] وقص عليهم في سورة إبراهيم ولوط عليهما السلام ما يترتب على إنزالهم مجتمعين، وفهم منه أن لهم في نزولهم حالة أخرى لا تنكرها الرسل، وهي حالة الإتيان إليهم بالعلم الذي نسبته إلى الأرواح نسبة الأرواح إلى الأشباح، وكان ذلك ربما أثار لهم اعتراضاً يطلبون به الفرق بينهم وبين الرسل في إنزالهم عليهم دونهم - كما تقدم في الحجر، وكان ما يشركون به لا تصرف له أصلاً بإنزال ولا غيره، قال تعالى مشيراً إلى ذلك وإلى أن الوحي بواسطة الملك، وأن النبوة عطائية لا كسبية :( ينزل الملائكة ( الذين هم الملأ الأعلى ) بالروح ) أي المعنى الأعظم الذي هو للأرواح بمنزلة الأرواح للأشباح ) من أمره ( الذي هو كلامه المشتمل على الأمر والنهي ) ألا له الخلق والأمر ( وهو مما تميز به لحقيته وإعجازه عن جميع المخلوقات، فكيف بما لا يعقل منها


الصفحة التالية
Icon