صفحة رقم ٢٥٨
فتأتي القسوة ) وهم ) أي والحال أنهم بسبب إنكار الآخرة ) مستكبرون ) أي صفتهم الاستكبار عن كل ما لا يوافق أهواءهم وهو طلب الترفع بالامتناع من قبول الحق أنفة من أهله، فصاروا بذلك إلى حد يخفى عليهم معه الشمس كما قال تعالى :( ) ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ( ) [ هود : ٢٠ ] وربما دل ) مستكبرون ( على أن ) منكرة ( بمعنى ( جاحدة ما هي به عارفة ).
ولما كانوا - لكون الإنسان أكثر شيء جدلاً - ربما أنكروا الاستكبار، وادعوا أنه أو ظهر لهم الحق لأنابوا، قال على طريق الجواب لمن كأنه قال : إنهم لا يأبون استكباراً ما لايشكون معه في أن هذا كلام الله ) لا جرم ) أي لا ظن في ) أن الله ) أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ) يعلم ( علماً غيبياً وشهادياً ) ما يسرون ) أي يخفون مطلقاً أو بالنسبة إلى بعض الناس.
ولما كان علم السر لا يستلزم علم الجهر - كما مضى غير مرة، قال :( وما يعلنون ( فهو أخبر بذلك إلا عن أمر قطعي لا يقبل المراء.
ولما كان في ذلك معنى التهديد، لأن المراد : فليجازينهم على دق ذلك وجهل من غير أن يغفر منه شيئاَ - كما يأتي التصريح به في قوله :( ) ليحملوا أوزارهم كاملة ( ) [ النحل : ٢٥ ] علل هذا المعنى بقوله :( إنه ) أي العالم بالسر والعلن ) لا يحب المستكبرين ) أي على الحق، كائناً ما كان.
ولما كان الطعن في القرآن - بما ثبت من عجزهم عن معارضته - دليل الاستكبار قال تعالى عاطفاً على قوله ) قلوبهم منكرة ( :( وإذا قيل ) أي من أيّ قائل كان في أي وقت كان ولو تكرر ) لهم ) أي لمنكري الآخرة :( ماذا ) أي أي شيء ) أنزل ربكم ) أي المحسن إليكم المدبر لأموركم ) قالوا ( مكابرين في إنزاله عادّين ( ذا ) موصولة لا مؤكدة للاستفهام : الذي تعنون أنه منزل ليس منزلاً، بل هو ) أساطير الأولين ( - مع عجزهم بعد تحديهم عن معارضة سورة منه مع علمهم بأنه أفصح الناس وأنه لا يكون من أحد من الناس متقدم أو متأخر قول إلا قالوا أبلغ منه.
النحل :( ٢٥ - ٢٦ ) ليحملوا أوزارهم كاملة.....
) لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ( ( )
ولما كان الكتاب هو الصراط المستقيم المنقذ من الهلاك، وكان قلوبهم هذا صداً عنه، فكان - مع كونه ضلالاً، ومن المعلوم أن من ضل كان عليه إثم ضلاله، ومن أضل كان عليه وزر إضلاله - هذا ما لايخفي على ذي عقل صحيح، فلما كان هذا