صفحة رقم ٢٦٨
ولما كان البعث متضمناً معنى القول، كان المعنى : فذهبوا إليهم قائلين :( أن اعبدوا الله ) أي الملك الأعلى وحده ) واجتنبوا ) أي بكل جهدكم ) الطاغوت ( كما أمركم رسولنا ) فمنهم ) أي فتسبب عن إرسال الرسل أن كانت الأمم قسمين : منهم ) من هدى الله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة، للحق فحقت له الهداية فأبصر الحق وعمل به باتباع الدعاة الهداة فيما أمروا به عن الله، فحقت له الجنة ) ومنهم من حقت ) أي ثبتت غاية الثبات ) عليه الضلالة ( بأن أضله الله فنابذ الأمر فلم يعمل به وعمل بمقتضى الإرادة، فإن الأمر قد لا يكون ما تعلق به، والإرادة لا بد أن يكون ما تعلقت به، وقد يكون موافقها عاملاً بالضلالة فحق عليه عذابها فحقت له النار فهلك، لأنه لم تبق له حجة يدفع بها عن نفسه، فلو كان كل ما شاءه حقاً كان الفريقان محقين فلم يعذب أحدهما، لكنه لم يكن الأمر كذلك، بل عذب العاصي ونجى الطائع في كل أمة على حسب ما قال الرسل، وهذا هو معنى رضي الله، إطلاقاً لاسم الملزوم على اللازم، فدل ذلك قطعاً على صدق الرسل وكذب مخالفيهم، فالآية من الاحتباك : ذكر فعل الهداية أولاً دليلاً على فعل الضلال ثانياً دليلاً على حقوق الهداية أولاً.
ثم التفت إلى مخاطبتهم إشارة إلى أنه لم يبق بعد هذا الدليل القطعي في نظر البصيرة إلا الدليل المحسوس للبصر فقال :( فسيروا ) أي فإن كنتم أيها المخاطبون في شك من إخبار الرسل فسيروا ) في الأرض ) أي جنسها ) فانظروا ) أي إذا سرتم ومررتم بديار المكذبين وآثارهم، وعبر هنا بالفاء المشيرة إلى التعقب دون تراخ لأن المقام للاستدلال المنقذ من الضلال الذي تجب المبادرة إلى الإقلاع عنه بخلاف ) ثم انظروا ( في الأنعام لما تقدم، وأشار بالاستفهام إلى أن أحوالهم مما يجب أن يسأل عنه للاتعاظ به فقال :( كيف كان ) أي كوناً لا قدرة على الخلاص منه ) عاقبة ) أي آخر أمر ) المكذبين ) أي من عاد ومن بعدهم الذين تلقيتم أخبارهم عمن قلدتموهم في الكفرمن أسلافكم، فإنهم كذبوا الرسل فيما أمرتهم بإبلاغه مخالفة لأمري وعملاً بمشيئتي، فأوقعت بهم لأنهم خالفوا أمري باختيارهم مع جهلهم بإرادتي، فقامت عليهم الحجة على ما يتعارفه الناس بينهم.
ولما كان المحقق أنه ليس بعد الإيصال في الاستدلال إلى الأمر المحسوس إلا العناد، أعرض عنهم ملتفتاً إلى الرؤوف بهم الشفيق عليهم، فقال مسلياً له صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( إن تحرص على هداهم ( فتطلبه بغاية جدك واجتهادك ) فإن الله ) أي الملك الأعظم ) لا يهدي ) أي هو بخلق الهداية في القلب - هذا على قراءة


الصفحة التالية
Icon