صفحة رقم ٢٧٠
به ) وعداً ( وبين أنه لا بد منه بقوله :( عليه ( وزاده تأكيداً في مقابلة اجتهادهم في أيمانهم بقوله :( حقاً ) أي لأنه قادر عليه وهو لا يبدل القول لديه، فصار واجباً لهواه ) ولكن أكثر الناس ) أي بما لهم من الاضطراب ) لا يعلمون ) أي لا علم لهم يوصلهم إلى ذلك لأنه من عالم الغيب لا يمكن عقولهم الوصول إليه بغير إرشاد من الله، ولا هم يقبلون أقوال الدعاة إليه الذين أيدهم بروح منه لتقيدهم بما توصلهم إليه عقولهم، وهي مقصورة على عالم الشهادة لا يمكنها الترقي منه إلى عالم الغيب بغير وساطة منه سبحانه تعالى، فلذلك ترى الإنسان منهم يأبى ذلك استعباداً لأن يكون شيء معقول لا يصل إليه بمجرد عقله وهو خصيم مبين.
النحل :( ٣٩ - ٤١ ) ليبين لهم الذي.....
) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ( ( )
ولما بين أنه لا بد من ذلك لسبق الوعد به من القادر، بين حكمته بأمر مبين أنه لا يسوغ تركه بوجه، وهو أنه لا يجوز في عقل عاقل أن أحداً ملكاً فما دونه يأمر عبيده بشيء ثم يهملهم فلا يسألهم ولا سيما إن اختلفوا ولا سيما إن أدى اختلافهم إلى المقاطعة والمقاتلة فكيف إن كان حاكماً فكيف إذا كان حكيماً فكيف وهو أحكم الحاكمين فقال معلقاً بما دل عليه ) بلى ( :( ليبين ) أي فعله ووعد به فهو يبعثهم ليبين ) لهم ) أي للناس ) الذين يختلفون ) أي يوجد اختلافهم ) فيه ( من البعث وغيره، ويجزي كلاًّ بما عمل لأن ذلك من العدل الذي هو فعله ) وليعلم الذين كفروا ) أي جهلوا الآيات الدالة عليه، فكأنهم ستروها لأنها لظهورها لا تجهل ) أنهم كانوا ) أي جبلة وطبعاً ) كاذبين ) أي عريقين في الكذب في إنكارهم للمعاد وزعمهم أنهم المختصون بالمفاز علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين.
ولما بين تحتمه وحكمته، بين إمكانه ويسره عليه وخفته لديه، فقال تعالى :( إنما قولنا ) أي بما من العظمة ) لشيء ( إبداء وإعادة ) إذا أردناه ) أي أردنا كونه ) أن نقول له ( ثم ذكر محكى القول النفسي فقال - بانياً من ( كان ) التامة ما دل على موافقة الأشياء المرادة موافقة المأمور للآمر المطاع - :( كن ) أي أحدث ) فيكون ) أي فيتسبب عن ذلك القول أنه يكون حين تعلق القدرة به من غير مهلة أصلاً، فنحن خلقنا الخلق لنأمرهم وننهاهم.