صفحة رقم ٢٨١
ولما كان شرح هذا أنهم تكلموا بالباطل في جانبه تعالى وجانبهم، بين ما هو الحق في هذا المقام، فقال تعالى على تقدير الجواب لمن كأنه قال : فما يقال في ذلك ؟ مظهراً في موضع الإضمار، تنبيهاً على الوصف الذي أوجب الإقدام على الأباطيل من غير خوف :( للذين لا يؤمنون ) أي لا يوجدون الإيمان أصلاً ) بالآخرة مثل ) أي حديث ) السوء ( من الضعف والحاجة والذل والرعونة ) ولله ) أي الذي له الكمال كله ) المثل ) أي الحديث أو المقدار أو الوصف أو القياس ) الأعلى ( من الغنى والقوة وجميع صفات الكمال بحيث لا يلحقه حاجة ولا ضعف ولا شائبة نقص أصلاً، وأعدل العبارات عن ذلك لا إله إلا الله، ويتأتى تنزيل المثل على الحقيقة كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى في سورة الروم.
ولما كان أمره سبحانه وتعالى أجل مما تدركه العقول، وتصل إليه الأفهام، أشار إلى ذلك بقوله تعالى :( وهو ( لا غيره ) العزيز ( الذي لا يمتنع عليه شيء فلا نظير له ) الحكيم ( الذي لا يوقع شيئاً إلا في محله، فلو عاملهم بما يستحقونه من هذه العظائم التي تقدمت عنهم لأخلى الأرض منهم ) ولو يؤاخذ الله ) أي الملك الأعظم الذي له صفات الكمال ) الناس ( كلهم.
ولما كان السياق للحكمة، وكان الظلم - الذي هو إيقاع الشيء في غير موقعه - شديد المنافاة لها، وكان الشرك - الذي هذا سياقه - أظلم الظلم، قال معبراً بالوصف الشامل لما وقع منهم منه بالفعل ولما هم منطوون وهو وصف لهم ولم يباشروه إلى الآن بالفعل قال :( بظلمهم ) أي يعاملهم معاملة الناظر لخصمه المعامل له بمحض العدل من غير نظر إلى الفضل، وعبر بصيغة المفاعلة لأن دلالتهاعلى المناقشة أبلغ ) ما ترك ( ولما اقتضى الحال ذكر الظلم، وكان سياق هذه الآية أغلظ من سياق فاطر، عبر بما يشمل كل محمول الأرض سواء كان على الظهر أو في البطن مغموراً بالماء أولا فقال تعالى :( عليها ) أي الأرض المعلوم أنها مستقرهم المدلول عليها التراب، وأعرق في النفي فقال تعالى :( من دآبة ) أي نفس تدب على وجه الأرض، لأن الكل إما ظالم يعاقب بظلمه، وإما من مصالح الظالم فيهلكه عقوبة للظالم، أو لأنه ما خلقهم إلا للبشر، فإذا أهلكهم أهلكهم كما وقع قريب منه في زمن نوح عليه السلام ) ولكن ( لا يفعل بهم ذلك فهو ) يؤخرهم ( إمهالاً بحكمته وحلمه ) إلى أجل مسمى ( ضربه لهم في الأزل.
ولما قطع العلم بالغاية عما يكون، سبب عن ذلك الإعلام بما يكون فيه فقال :( فإذا جاء أجلهم ( الذي حكم بأخذهم عنده ) لا يستأخرون ) أي عنه ) ساعة ) أي وقتاً