صفحة رقم ٢٨٣
ولما كان حاصل ما مضى الخلاف والضلال والنقمة، كان كأنه قيل : فبين لهم وخوفهم ليرجعوا، فإنا ما أرسلناك إلا لذلك ) وما أنزلنا ) أي بما لنا من العظمة من جهة العلو ) عليك الكتاب ) أي الجامع لكل هدى.
ولما كان في سياق الدعاء والبيان عبر بما يقتضي الإيجاب فقال :( إلا لتبين ) أي غاية البيان ) لهم ) أي لمن أرسلت إليهم وهم الخلق كافة ) الذي اختلفوا فيه ( من جميع الأمور ديناً ودنيا لكونك أغزرهم علماً وأثقبهم فهماً، وعطف على موضع ( لتبين ) ما هو فعل المنزل، فقال تعالى :( وهدى ) أي بياناً شافياً ) ورحمة ) أي وإكراماً بمحبة.
ولما كان ذلك ربما شملهم وهم على ضلالهم، نفاه بقوله تعالى :( لقوم يؤمنون ( والتبيين : معنى يؤدي إلى العلم بالشيء منفصلاً عن غيره، وقد يكون عن المعنى نفسه، وقد يكون عن صحته، والبرهان لا يكون إلا عن صحته فهو أخص، والاختلاف : ذهاب كل إلى غير جهة صاحبه، والهدي : بيان طريق العلم المؤدي إلى الحق.
النحل :( ٦٥ - ٦٧ ) والله أنزل من.....
) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ الْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( ( )
ولما انقضى الدليل على أن قلوبهم منكرة استكباراً وما يتعلق به، وختمه بما أحيا به القلوب بالإيمان والعلم بعد موتها بالكفر والجهل، وكان المقصود الأعظم من القرآن تقرير أصول أربعة : الإلهيات، والنبوات، والمعاد، وإثبات القضاء والقدر والفعل بالاختيار، وكان أجل هذه المقاصد الإلهيات، شرع في أدلة الوحدانية والقدرة والفعل بالاخيتار المستلزم للقدرة على البعث على وجه غير المتقدم ليعلم أن أدلة ذلك أكثر من أوراق الأشجار، وأجلى من ضياء النهار فعطف على قوله :( والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ( قوله جامعاً في الدليل بين العالم العلوي والعالم السفلي :( والله ) أي الذي له الأمر كله ) أنزل من السماء ( في الوقت الذي يريده ) ماء ( بالمطر والثلج والبرد ) فأحيا به الأرض ( الغبراء.
ولما كانت عادته بذلك مستمرة، وكان السياق لإثبات دعائم الدين، وكان الإحياء بالماء لا يزال أثره قائماً في زرع أو شجر في بعض الأراضي، أعرى الظرف من الجار لأن المعنى به أبلغ فقال :( بعد موتها ( باليبوسة والجدب وتفتت النبات أصلاً ورأساً.
ولما كان ما أقامه على ذلك في هذه السورة من الأدلة قد صار إلى حد لا يحتاج