صفحة رقم ٢٨٥
ولما كان لهم مدخل في اتخاذ ما ذكر منه بخلاف اللبن الذي لا صنع فيه أصلاً، أسند الأمر إليهم وليكون ذلك إشارة إلى كراهة السكر وتوطئة للنهي عنه في قوله مستأنفاً :( تتخذون ) أي باصطناع منكم وعلاج، ولأجل استئناف هذه الجملة كان لا بد من قوله :( منه ) أي من مائه، وعبر عن السكر بالمصدر إبلاغاً في تقبيحه، وزاد في الإبلاغ بالتعبير بأثقل المصدرين وهو المحرك، يقال : سكر سكْراً وسكَراً مثل رشد رشْداً ورشَداً، ونحل نحْلاً نحَلاً، فقال تعالى :( سكراً ) أي ذا سكر منشّياً مطرباً سادّاً لمجاري العقل قبيحاً غير مستحسن للرزق ) ورزقاً حسناً ( لا ينشأ عنه ضرر في بدن ولا عقل من الخل والدبس وغيرهما، ولايسد شيئاً من المجاري، بل ربما فتحها كالحلال الطيب، فإنه ينير القلب، ويوسع العقل، والأدهان كلها تفتح سدد البدن، وهذا كما منحكم سبحانه العقل الذي لا أحسن منه فاستعمله قوم على صوابه في الوحدانية، وعكس آخرون فدنسوه بالإشراك ؛ قال الرماني : قيل : السكر ما حرم من الشراب، والرزق الحسن : ما أحل منه - عن ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير و إبراهيم والشعبي وأبي رزين والحسن ومجاهد وقتادة رضي الله عنهم.
والسكر في اللغة على أربعة أوجه : الأول ما أسكر.
الثاني ما أطعم من الطعام.
الثالث السكون.
الرابع المصدر من السكر، وأصله انسداد المجاري مما يلقي فيها، ومنه السكر - يعني بكسر ثم سكون، ومن حمل السكر على السكر قال : إنها منسوخة بآية المائدة، والتعبير عنه بما يفهم سد المجاري يفهم كراهته عندما كان حلالاً ؛ والآية من الاحتباك : ذكر السكر أولاً دال على الفتح ثانياً، وذكر الحسن دال القبيح أولاً، فالآية أدل ما في القرآن على المعتزلة في أن الرزق يطلق على الحرام، ولتقارب آيتي الأنعام والأشجار جمعهما سبحانه فقال تعالى :( إن في ذلك ) أي الأمرالعظيم من هذه المنافع ) لآية ( ولوضوح أمرهما في كمال قدرة الخالق ووحدانيته قال تعالى :( لقوم يعقلون (.
النحل :( ٦٨ - ٦٩ ) وأوحى ربك إلى.....
) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( ( )
ولما كان أمر النحل في الدلالة على تمام القدرة وكمال الحكمة أعجب مما تقدم وأنفس، ثلث به وأخره لأنه أقل الثلاثة عندهم، وغير الأسلوب وجعله من وحيه إيماء إلى ما فيه من غريب الأمر وبديع الشأن فقال تعالى :( وأوحى ربك ) أي المحسن إليك بجعل العسل في مفاوز البراري المقفرة المفرطة المرارة وغيرها من الأماكن وبغير ذلك من المنافع، الدال على الفعل بالاختيار وتمام الاقتدار ) إلى النحل ) أي بالإلهام ؛ قال