صفحة رقم ٢٩٠
حيلة فقال :( بعد علم شيئاً ( لا يوجد في شيء من ذلك عند إحلاله شفاء، ولا يمنعه دواء : فبادروا إلى التفكير والاعتبار قبل حلول أحد هذين، ثم علل ذلك بقوله تعالى :( إن الله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة ) عليهم قدير ) أي بالغ العلم شامل القدرة، فمهما أراد كان، ومهما أراد ولم يرده هو، أحاط به علمه، فسبب له بقدرته ما يمنعه.
ولما ذكر المفاوتة في الأعمار المنادية بإبطال الطبائع الموجبة للمسابقة إلى الاعتبار لأولي الأبصار للخوف كل لحظة من مصيبة الموت، ثنى بالمفاوتة في الأرزاق فقال تعالى :( والله ) أي الذي له الأمر كله ) فضل بعضكم ( أيها الناس ) على بعض (.
ولما كانت وجوه التفضيل كثيرة، وكان التفضيل في المعاش الذي يظن الإنسان أن له قدرة على تحصيله، وكانت المفاوتة فيه أدل على تمام القدرة والفعل بالاختيار الذي السياق له، قال تعالى :( في الرزق ) أي ولربما جعل الضعيف العاجز الجاهل أغنى من القوي المحتال العالم، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، وأقبلوا بجميع قلوبكم على ما ينفعكم من الاستبصار ؛ قال الإمام أبو نعيم في الحلية : حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد ثنا أحمد بن أحمد بن عمرو الخلال قال : سمعت ابن أبي عمر يقول : كنا عند سفيان بن عيينه فذكروا الفضل بن الربيع ودهاءه، فأنشأ سفيان يقول :
كم من قويّ قوي في تقلبه مهذب الرأي عنه الرزق منحرف ومن ضعيف ضعيف العقل مختلط كأنه من خليج البحر يغترف
وعن أبي علي القالي أنه قال : قال أبو بكر بن الأنباري : وحدثني أبي قال : بعث سليمان المهلبي إلى الخليل بن أحمد بمائة ألف درهم وطالبه بصحبته فرد عليه المائة ألف، وكتب إليه هذه الأبيات :
أبلغ سليمان أني عنه في سعة وفي غنى غير أني لست ذا مال سخي بنفسي أني لا أرى أحداً يموت هزلاً ولا يبقى على حال فالرزق عن قدر لا العجز ينقصه ولا يزيدك فيه حول محتال والفقر في النفس لا في المال تعرفه ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
ولما كان جعل المملوك في رتبة المالك مما يتعاظهم في حقوقهم مع أنه في الحقيقة لا مالك ولا مُلك، فلا يدينون لذلك ولا يدانونه وإن جل الخطب وأدى إلى ذهاب الأرواح، بل من كانت أمه مملوكة حطوا رتبته وإن كان أبوه من كان، وإن كانت العبرة عندهم في النسب بالأب، وهذا هو الذي أحوج عنترة إلى قوله :
إني امرؤ من خير عبس منصباً شطري وأحمي سائري بالمنصل