صفحة رقم ٢٩٦
غيرها بما فصله لكم من أول السورة إلى هنا من خلق السماوات والأرض وما فيهما ) وما أمر الساعة ( وهي الوقت الذي يكون فيه البعث، على اعتقادكم أنها لا تكون استبعاداً لها واستصعاباً لأمرها في سرعته عند الناس لو رأوه، ولذا عبر عنه بالساعة ) إلا كلمح البصر ) أي كرجع الطرف المنسوب إلى البصر أيّ بصر كان ) أو هو أقرب ( وإذا الخلق قد قاموا من قبورهم مهطعين إلى الداعي - هذا بالنسبة إلى علمهم وقياسهم، وأما بالنسبة إليه سبحانه فأمره في الجلالة والعظم والسرعة والإتقان يجل عن الوصف، وتقصر عنه العقول، ولا شك فيه ولا تردد، ولذلك علله بقوله تعالى :( إن الله ) أي الملك الأعظم ) على كل شيء ) أي ممكن ) قدير (.
ولما انتقضى توبيخهم على إيمانهم بالباطل وكفرانهم بالحق وما استتبعه، وختم بأمر الساعة، عطف قوله تعالى ) والله جعل لكم من أنفسكم أزرواجاً ( ما هو من أدلة الساعة وكمال القدرة والفعل بالاختيار من النشأة الأولى، فقال تعالى :( والله ) أي الذي له العظمة كلها ) أخرجكم ( بعلمه وقدرته ) من بطون أمهاتكم ( والذي أخرجكم منها قادر على إخراجكم من بطن الأرض بلا فرق بل بطريق الأولى، حال كونكم عند الإخراج ) لا تعلمون شيئاً ( من الأشياء قل أو جل، وعطف على ) أخرجكم ( قوله :( وجعل لكم ( بذلك أيضاً ) السمع والأبصار والأفئدة ( آلات لإزالة الجهل الذي وقعت الولادة عليه، وفتق مواضعها وسواها وعدلها وأنتم في البطون حيث لا تصل إليه يده، ولا يتمكن من شق شيء منه بآلة، فالذي قدر على ذلك في البطون إبداعاً قادر على إعادته في بطن الأرض، بل بطريق الأولى، ولعله جمعها دون السمع، لأن التفاوت فيهما أكثر من التفاوا فيه بما لا يعلمه إلا الله ؛ والأفئدة هي القلوب التي هيأها للفهم وإصلاح البدن بما أودعها من الحرارة اللطيفة القابلة للمعاني الدقيقة ) لعلكم تشكرون ) أي ليصيروا - بمعارف القلوب التي وهبكموها إذا سمعتم المواعظ وأبصرتم الآيات - في حال يرجى فيها شكركم لما أفاض عليكم من لطائف صنعه، بأن تعرفوا ما له من العلم والقدرة وحسن التعرف، فتعترفوا له بجميع ما أتتكم به رسله، وأهمه الذي تبنى عليه جميع مقاصد الأصول أو المنعم عليكم بهذه النعم إله واحد عالم بكل شيء قادر على كل شيء فاعل بالاختيار، وأن الطبائع من جملة مقدوراته، لا فعل لها إلا بتصريفه.
ولما كان المقصود من تعداد هذه النعم الإعلام بأنه الفاعل بالاختيار وحده ال الطبائع ولا غيرها، دلهم على ذلك مضموناً إلى ما مضى بقوله مقرراً لهم :( ألم يروا ( بالخطاب والغيبة - على اختلاف القراءتين لأن سياق الكلام وسباقه يحتمل المقبل