صفحة رقم ٣٠٣
النحل :( ٩٠ - ٩٢ ) إن الله يأمر.....
) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ( ( )
ولما بين تعالى فضل هذا القرآن بما يقطع حجتهم، وكان قد قدم فضل من يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، أخذ يبين اتصاف القرآن ببيان كل شيء، وتضمنه للك الطريق الأقوم، فقال تعالى جامعاً لما يتصل بالتكاليف فرضاً ونفلاً، وما يتصل بالأخلاق والآداب عموماً وخصوصاً :( إن الله ) أي الملك المستجمع لصفات الكمال ) يأمر بالعدل ( وهو الإنصاف الذي لا يقبل عمل يدونه، وأول درجاته التوحيد الذي بنيت السورة عليه، والعدل يعتبر تارة في المعنى فيراد به هيئة في الإنسان تطلب بها المساواة، وتارة في العقل فيراد به التقسيط القائم على الاستواء، وتارة يقال : هو الفضل كله من حيث إنه لا يخرج شيء من الفضائل عنه، وتارة يقال : هو أكمل الفضائل من حيث إن صاحبه يقدر على استعماله في نفسه وفي غيره، وهو ميزان الله المبرأ من كل زلة وبه يستتب أمر العالم، وبه قامت السماوات والأرض، وهو وسط كل أطرافه جور، وبالجملة الشرع مجمع العدل، وبه تعرف حقائقه، ومن استقام على نهج الحق فقد استتب على منهج العدل - ذكره الرازي في اللوامع وفيه تلخيص، وفي آخر الجزء الخامس عشر من الثقفيات أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال لمحمد بن كعب القرظي رضي الله عنه : صفلي العدل، فقال : كن لصغير الناس أباً، ولكبيرهم ابناً، وللمثل أخاً، وللنساء كذلك، وعاقب الناس بقدر ذنوبهم على قدر أجسامهم، ولا تضربن لغضبك سوطاً واحداً فتعدَّى فتكون من العادين انتهى.
) والإحسان ( وهو فعل الطاعة على أعلى الوجوه، فالعدل فرض، والإحسان فضل، وهو مجاوزة النصفة إلى التحامل على النفس، لأنه ربما وقع في الفرض نقص فجبر بالنفل، وهو في التوحيد الارتقاء عن أول الدرجات، ومن أعلاه الغنى عن الأكوان، وتكون الأكوان في غيبتها عند انبساط نور الحق كالنجوم في انطماسها عند انتشارنور الشمس، وغايته الفناء حتى عن هذا الغنى، وشهود الله وحده، وهو التوحيد على الحقيقة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه ( الإحسان أن تعبد الله


الصفحة التالية
Icon