صفحة رقم ٣٠٤
كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) وهو روح الإنسانية، ففي الجزء الثامن من الثقفيات عن عاصم بن كليب الجرمي قال : حدثني أبي كليب أنه شهد مع أبيه جنازة شهدها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال : وأنا غلام اعقل وأفهم، قال : فانتهى بالجنازة إلى القبر ولما يمكن لها فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول ( سوّ ذا أو خذ ذا ) قال : حتى ظن الناس أنها سنة، فالتفت إليهم فقال :( أما أن هذا لا ينفع الميت ولايضره، ولكن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن.
( ) وإيتاء ذي القربى ( فإنه من الإحسان، وهو أولى الناس بالبر، وذلك جامع للاحسان في صلة الرحم.
ولما أمر بالمكارم، نهى عن المساوئ والملائم فقال تعالى :( وينهى عن الفحشاء ( وهي ما اشتد تقصيره عن العدل فكان ضد الإحسان ) والمنكر ( وهو ما قصر عن العدل في الجملة ) والبغي ( وهو الاستعلاء على الغير ظلماً، وقال البيضاوي في سورة الشورى : هو طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتجرأ كمية أو كيفية.
وهو من المنكر، صرح به اهتماماً، وهو أخو قطيعة الرحم ومشارك لها في تعجيل العقوبة ) ما من ذنب أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ( رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي بكرة رضي الله عنه ورفعه، وأصل البغي الإدارة، كأنه صار بفهم هذا المعنى المحظور - المحذور عند حذف مفعوله، لأن الإنسان - لكونه مجبولاً على النقصان - لا يكاد يصلح منه إرادة، فعليه أن يكون مسلوب الاختيار، مع الملك الجبار، الواحد القهار، فتكون إرادته تابعة لإرادته، واختياره من وراء طاعته، وعن الحسن أن الخلقين الأولين ما تركا طاعة إلا جمعاها والأخيرين ما تركا معصية إلا جمعاها.