صفحة رقم ٣٠٦
بالكفارة فإنه ناقض للبعض لا للكل، لأنه دائر مع الخير والأول دائر مع الهوى ؛ ثم حذرهم من النقض بأنه مطلع قادر، فقال تعالى مقبحاً حالهم إذ ذاك :( وقد جعلتم الله ) أي الذي له العظمة كلها ) عليكم كفيلاً ) أي شاهداً ورقيباً.
ولما كان من شأن الرقيب حفظ أحوال من يراقبه، قال تعالى مرغباً مرهباً :( إن الله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة ) يعلم ما تفعلون ( فلم تفعلوا شيئاً إلا بمشيئته وقدرته، فكانت كفالته مجعولة بهذا الاعتبار وإن لم يصرح بالجعل، فمتى نقضتم فعل بكم فعل الكفيل القادر بالمكفول المماطل من أحد الحق والعقوبة.
ولما أمر بالوفاء ونهى عن النقض، شرع في تأكيد وجوب الوفاء وتحريم النقض وتقبيحه تنفيراً منه فقال تعالى :( ولاتكونوا ) أي في نقضكم لهذا الأمر المعنوي ) كالتي نقضت غزلها ( ولما كان النقض لم يستغرق زمان البعد، قال تعالى :( من بعد قوة ( عظيمة حصلت له ) أنكاثاً ) أي أنقاضاً، جمع نكث وهو كل شيء نقض بعد الفتل سواء كان حبلاً أو غزلاً، فهو مصدر مجموع من نقضت لأنه بمعنى نكثت، قال في القاموس : النكث - بالكسر أن تنقض أخلاق الأكسية لتغزل ثانية.
فيكون مثل جلست قعوداً، أي فتكونوا بفعلكم ذلك كهذه المرأة التي ضربتم المثل بها في الخرق مع ادعائكم أنه يضرب بأدناكم المثل في العقل، ثم وصل بذلك ما يعرف أنهم أسفه من تلك المرأة بسبب أم ضررها لا يتعداها، وأما الضرر بفعلهم فإنه مفسد لذات البين فقال تعالى :( تتخذون ) أي بتكليف الفطرة الأولى ضد ما تدعو إليه من الوفاء ) أيمانكم دخلاً ) أي فيضمحل كونها أيماناً إلى كونها ذريعة إلى الفساد بالخداع والغرور ) بينكم ( من حيث إن المحلوف له يطمئن فيفجأه الضرر، ولو كان على حذرلما نيل منه ولا جسر عليه، وكل ما أدخل في الشيء على فساد فهو دخل ) إن ) أي تفعلون ذلك بسب أن ) تكون أمة ) أي وهي الخادعة أو المخدوعة لأجل سلامتها ) هي ) أي خاصة ) أربى ) أي أزيد وأعلى ) من أمة ( في القوة أو العدد، فإذا لزيادتها غدرت.
ولما عظم عليهم النقض، وبين أن من أسبابه الزيادة، حذرهم غوائل البطر فقال تعالى :( إنما يبلوكم ) أي يختبركم ) الله ) أي الذي له الأمر كله ) به ) أي يعاملكم معاملة المختبر بالأيمان والزيادة ليظهر للناس تمسككم بالوفاء أو انخلاعكم منه اعتماداً على كثرة أنصاركم وقلة أنصار من نقضتم عهده من المؤمنين ( أو غيرهم ) مع قدرته سبحانه على ما يريد، فيوشك أن يعاقب بالمخالفة فيضعف القوي ويقلل الكثير ) وليبينن لكم ) أي إذا تجلى لفصل القضاء ) يوم القيامة ( مع هذا كله ) ما كنتم ( أي