صفحة رقم ٣٠٨
لإنكارهم البعث عما ينشأ عنه :( ولتسئلن عما كنتم ) أي كوناً أنتم مجبولون عليه ) تعلمون ( وإن دق، فيجازي كلاًّ منكم على عمله وإن كان غبياً عن السؤال، فهو بكل شيء عليم.
ولما بين أن الكذب وما جر إليه أقبح القبائح، وأبعد الأشياء عن المكارم، وكان من أعظم أسباب الخلاف، فكان أمره جديراً بالتأكيد، أعاد الزجر عنه بأبلغ مما مضى بصريح النهي مرهباً مما يترتب على ذلك، فقال معبراً بالافتعال إشارة إلى أن ذلك لا يفعل إلا بعلاج شديد من النفس لأن الفطرة السليمة يشتد نفارها منه :( ولاتتخذوا أيمانكم دخلاً ) أي فساداً ومكراً وداء وخديعة ) بينكم ) أي في داخل عقولكم وأجسامكم ) فتزل ) أي فيكون ذلك سبباً لأن تزل ) قدم ( هي في غاية العظمة بسبب الثبات ) بعد ثبوتها ( عن مركزها الذي كانت به من دين أو دنيا، فلا يصير لها قرار فتسقط عن مرتبتها، وزلل القدم تقوله العرب لكل ساقط في ورطة بعد سلامة ) وتذوقوا السوء ( مع تلك الزلزلة ) بما صددتم ) أي أنفسكم ومنعتم غيركم بأيمانكم التي أردتم بها الإفساد لإخفاء الحق ) عن سبيل الله ) أي الملك الأعلى، يتجدد لكم هذا الفعل ما دمتم على هذا الوصف ) ولكم ( مع ذلك ) عذاب عظيم ( ثابت غير منفك إذا متم على ذلك.
ولما كان هذا خاصاً بالأيمان، أتبعه النهي عن الخيانة في عموم العهد تأكيداً بعد تأكيد للدلالة على عظيم النقض فقال تعالى :( ولا تشتروا ) أي تكلفوا أنفسكم لجاجاً وتركاً للنظر في العواقب أن تأخذوا وتستبدلوا ) بعهد الله ) أي الذي له الكمال كله ) ثمناً قليلاً ) أي من حطام الدنيا وإن كنتم ترونه كثيراً، ثم علل قلته بقوله تعالى :( إنما عند الله ) أي الذي له الجلال والإكرام من ثواب الدارين ) هو خير لكم ( ولا يعدل عن الخير إلى ما دونه إلا لجوج ناقص العقل ؛ ثم شرط علم خيريته بكونهم من ذوي العلم فقال تعالى :( إن كنتم ) أي بجبلاتكم ) تعلمون ) أي ممن يتجدد له علم ولم تكونوا في عداد البهائم، فصار العهد الشامل للأيمان مبدوءاً في هذه الآيات بالأمر بالوفاء به ومختوماً بالنهي عن نقضه، والأيمان التي هي أخص منه وسط بين الأمر والنهي المتعلقين به، فصار الحث عليها على غاية من التأكيد عظيمة ورتبة من التوثيق جليلة، ثم بين خيريته وكثرته بقوله تعالى على سبيل التعليل :( ما عندكم ) أي من أعراض الدنيا، وهو الذي تتعاطونه بطباعكم ) ينفد ) أي يفنى، فصاحبه منغص العيش أشد ما يكون به اغتباطاً بانقطاعه أو بتجويز انقطاعه إن كان في عداد من يعلم ) من عند الله ) أي الذي له الأمر كله من الثواب ) باق ( فليؤتينكم منه إن ثبتم على عهده ؛ ثم لوح بما