صفحة رقم ٣١٢
مكانه ) والله ) أي الذي له الإحاطة الشاملة ) أعلم بما ينزل ( من المصالح بحسب الأوقات والأحوال بنسخ أو بغيره ) قالوا ) أي الكفار ) إنما أنت ) أي يا محمد ) مفتر ) أي فإنك تأمر اليوم بشيء وغداً تنهى عنه وتأمر بضده، وليس الأمر كما قالوا ) بل أكثرهم ( وهم الذين يستمرون على الكفر ) لا يعلمون ) أي لا يتجدد لهم علم، بل هم في عداد البهائم، لعدم انتفاعهم بما وهبهم الله من العقول، أي لا يتجدد لهم اتباع الشيطان، حتى زلت أقدامهم في هذا الأمر الواضح بعد إقامة البرهان بالإعجاز على أن كل ما كان معجزاً كان من عند الله، سواء كان ناسخاً أو منسوخاً أو لا، فصارت معرفة أن هذا القرآن وهذا غير قرآن بعرضه على هذا البرهان من أوضح الأمور وأسهلها تناولاً لمن أراد ذلك منهم أو من غيرهم من فرسان البلاغة فكأنه قيل : فما أقول ؟ فقال :( قل ( لمن واجهك بذلك منهم :( نزله ) أي القرآن بحسب التاريخ لأجل اتباع المصالح لإحاطة علم المتكلم به ) روح القدس ( الذي هو روح كله، ليس فيه داعِ إلى هوى، فكيف يتوهم فيما ينزله افتراء لا سيما مع إضافته الطهر البالغ، فهو ينزله ) من ربك ( أيها المخاطب الذي أحسن إليك بإنزاله ثم بتبديله بحسب المصالح كما أحسن تربيتك بالنقل من حال إلى حال لا يصلح في واحدة منها ما يصلح في غيرها من الظهر إلى البطن، ثم من الرضاع إلى الفطام، فما بعده، فكيف تنكر تبديل الأحكام للمصالح ولا تنكر تبديل الأحوال لذلك، حال كون ذلك لإنزال ) بالحق ) أي الأمر الثابت الذي جل عن دعوى الافتراء بأنه لا يستطاع نقصه ) ليثبت ) أي تثبيتاً عظيماً ) الذين آمنوا ( في دينهم بما يرون من إعجاز البدل والمبدل مع تضاد الأحكام، وما فيه من الحكم والمصالح بحسب تلك الأحوال - مع ما كان في المنسوخ من مثل ذلك بحسب الأحوال السالفة - وليتمرنوا على حسن الانقياد، ويعلم بسرعة انقيادهم في ترك الألف تمام استسلامهم وخلوصهم عن شوائب الهوى ؛ ثم عطف على محل ) ليثبت ( قوله :( وهدى ) أي بياناً واضحاً ) وبشرى ) أي بما فيه من تجدد العهد بالملك الأعلى وتردد الرسول بينه وبينهم بوساطة نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) للمسلمين ( المنقادين المبرئين من الكبر الطامس للأفهام، المعمي للأحكام، ولولا مثل هذه الفوائد لفاتت حكمة تنجيمه.
النحل :( ١٠٣ - ١٠٧ ) ولقد نعلم أنهم.....
) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ