صفحة رقم ٣١٤
ولما ذكر الذين لا يؤمنون مطلقاً، أتبعهم صنفاً منهم هم أشدهم كفراً فقال تعالى :( من ) أي أي مخلوق وقع له أنه ) كفر بالله ) أي الذي له صفات الكمال، بأن قال أو عمل ما يدل على الكفر، ولما كان الكفر كله ضاراً وإن قصر زمنه، أثبت الجار فقال تعالى :( ومن بعد إيمانه ( بالفعل أو بالقوة، لما قام على الإيمان من الأدلة التي أوصلته إلى حد لا يلبس فصار استكباره عن الإيمان ارتداداً عنه وجوب الشرط دل ما قبله وما بعده على أنه : فهو الكاذب، أو فعليه غضب من الله ) إلا من أكره ) أي وقع إكراهه على قول كلمة الكفر ) وقبله ) أي والحال أن قلبه ) مطمئن بالإيمان ( فلا شيء عليه، وأجمعوا - مع إباحة ذلك له - أنه لا يجب عليه التكلم بالكفر، بل إن ثبت كان ذلك أرفع درجة، والآية نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه أكرهوه فتابعوهم وهو كاره، فأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه كفر، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( كلا إن عماراً ملىء إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه، ) فأتى رسول الله ( ﷺ ) وهو يبكين فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح عينيه ويقول :( إن عادوا فعد لهم بمثل ما قلت.
) ) ولكن من شرح ) أي فتح فتحاً صار يرشح به ) بالكفر صدراً ) أي منه أو من غيره بالتسبب فيه لأن حقيقة الإيمان والكفر يتعلق بالقلب دون اللسان، وإنما اللسان معبر وترجمان معرف بما في القلب لتوقع الأحكام الظاهرة ) فعليهم ( لرضاهم به ) غضب ) أي غضب ؛ ثم بين جهة عظمه بكونه ) من الله ) أي الملك الأعظم ) ولهم ) أي بظواهرهم وبواطنهم ) عذاب عظيم ( لارتدادهم على أعقابهم.
ولما كان من يرجع إلى الظلمات بعد خروجه منها إلى النور جديراً بالتعجب منه، كان كأنه قيل : لم يفعلون، أو لم يفعل بهم ذلك ؟ فقال تعالى :( ذلك ( لارتداد أو الوعيد العظيم ) بأنهم ) أي بسبب أنهم ) استحبوا ) أي أحبوا حباً عظيماً ) الحياة الدنيا ) أي الدنيئة الحاضرة الفانية، فآثروها ) على الآخرة ( الباقية الفاخرة لأنهم رأوا ما فيه المؤمن من الضيق والكافر من السعة ) و ( بسبب ) أن الله ) أي الملك الذي له الغنى