صفحة رقم ٣١٧
ابن عباس رضي الله عنهما أنها مكة ) كانت ءامنة ) أي ذات أمن يأمن به أهلها في زمن الخوف ) مطمئنة ) أي تارة بأهلها، لا يحتاجون فيها إلى نحعة وانتقال بسبب زيادة الأمن بكثرة العدد وقوة المدد، وكف الله الناس عنها، ووجود ما يحتاج إليه أهلها ) يأتيها ) أي على سبيل التجدد والاستمرار ) رزقها رغداً ) أي واسعاً طيباً ) من كل مكان ( براً وبحراً بتسيير الله تعالى لهم ذلك.
ولما كانت السعة تجر إلى البطر غالباً، نبه تعالى لهم ذلك بالفاء فقال تعالى :( فكفرت ( ونبه سبحانه على سعة فضله بجمع القلة الدال على أن كثرة فضله عليهم تافهة بالنسبة إلى ما عنده سبحانه وتعالى فقال :( بانعم الله ) أي الذي له الكمال كله كما كفرتم ) فأذاقها الله ) أي المحيط بكل شيئ قدرة وعلماً ) لباس الجوع ( بعد رغد العيش ) والخوف ( بعد الأمن والطمأنينة حتى صار لهم ذلك بشموله لهم لباساً، وبشدة عركهم ذواقاً، فكأن النظر إلى المستعار له، وهو هنا أبلغ لدلالته على الإحاطة والذوق، ولو نظر إلى المستعار لقال : فكساها، فكان يفوت الذوق، وذلك كما نظر إليه كثيّر في قوله :
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكاً غلقت لضحكته رقاب المال
استعار الرداء للمعروف لأنه يصون صون الرداء لما يلقى عليه، ووصفه بالغمر الذي هو وصف المعروف والنوال، لا وصف الرداء الذي هو المستعار، ولو نظر إليه لوصفه بالسعة أو الطول مثلاً كما نظر إليه من قال ذاكراً السيف الذي يصون به الإنسان نفسه :
ينازعني ردائي عبد عمرو رويدك يا أخا بكر ين عمرو لي الشطر الذي ملكت يميني ودونك فاعتجر منه بشطر
فنظر إلى المستعار وهو الرداء في لفظ الاعتجار، فبانت فضيحة ابن الراوندي في زندقته إذ قال لابن الأعرابيك هل يذاق اللباس ؟ فقال له : لا بأس يا أيها النسناس هب أن محمداً ما كان نبياً، أما كان عربياً ؟ ) بما كانوا ) أي بجبلاتهم ) يصنعون ( من الكفر والكبر، قد مرنوا عليه بكثرة المداومة مرون الإنسان على صنعته.
ولما كان تعالى لايعذب حتى يبعث رسولاً، حقق ذلك بقوله تعالى :( ولقد جاءهم ) أي أهل هذه القرية ) رسول منهم ( كما وقع لكم ) فكذبوه ( كما فعلتم ) فأخذهم العذاب ( كما سمعتم، وإن كان المراد بها مكة فالمراد به الجوع الذي دعا عليهم به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قال ( اللهم أعني بسبع كسبع