صفحة رقم ٣٢٠
بين الغباوة المفرطة أو قصد ما لا يقصده عاقل، وهذا باب من التهكم عجيب، فكأنه قيل : فما يستحقون على ذلك ؟ فأجاب بقوله تعالى :( إن الذين يفترون ) أي يقتطعون عمداً ) على الله ) أي الذي له الأمر كله ) الكذب ( منكم ومن غيركم ) لا يفلحون (.
ولما كان الفلاح عندهم هو العيش الواسع في هذه الدنيا، أجاب من كأنه قال : فإنا ننظرهم بنعمة ورفاهة ؟ فقال تعالى :( متاع قليل ) أي ما هم فيه لفنائه وإن امتد ألف عام ) ولهم ( بعده ) عذاب أليم ( ومن ألمه العظيم دوامه فأيّ متاع هذا.
ولما بين لهم نعمته بتوسعته عليهم بما ضيقوا به على أنفسهم، بين لهم نعمة أخرى بتمييزهم على بني إسرائيل فقال تعالى :( وعلى الذين هادوا ) أي اليهود ) حرمنا ) أي بعظمتنا عقوبة لهم بعدوانهم وكذبهم على ربهم ) ما قصصنا ) أي بما لنا من العظمة التي كان المقصوص بها معجزاً ) عليك (.
ولما لم يكن قص ذلك عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مستغرقاً زمان القبل، أدخل الجار فقال :( من قبل ) أي في الأنعام ) وما ظلمناهم ) أي الذين وقع منهم الهود بتحريمنا عليهم ما حرمنا ) ولكن كانوا ) أي دائماً طبعاً لهم وخلقاً مستمراً ) أنفسهم ) أي خاصة ) يظلمون ) أي بالبغي والكفر، فضيقنا عليهم معاملة بالعدل، وعاملناكم أنتم حيث ظلمتم بالفضل، فاشكروا النعمة واحذروا غوائل النقمة.
ولما بين هذه النعمة الدنيوية عطف عليها نعمة هي أكبر منها جداً، استجلاباً لكل ظالم، وبين عظمتها بحرف التراخي فقال تعالى :( ثم إن ربك ) أي المحسن إليك ) للذين عملوا السوء ( وهو كل ما من شأنه أن يسوء، وهو ما لا ينبغي فعله ) بجهالة ( كما عملتم وإن عظم فعلهم وتفاحش جهلهم ) ثم تابوا (.
ولما كان سبحانه يقبل اليسير من العمل، أدخل الجار فقال تعالى :( من بعد ذلك ) أي الذنب ول كان عظيماً، فاقتصروا على ما أذن فيه خالقهم ) وأصلحوا ( بالاستمرار على ذلك ) إن ربك ) أي المحسن إليك بتسهيل دينك وتيسيره.
ولما كان إنما يغفر بعد التوبة ما عدا الشرك الواقع بعدها، أدخل الجار فقال تعالى :( من بعدها ) أي التوبة وما تقدمها من أعمال السوء ) لغفور ) أي بليغ الستر لما عملوا من السوء ) رحيم ) أي محسن بالإكرام فضلاً ونعمة.
النحل :( ١٢٠ - ١٢٤ ) إن إبراهيم كان.....
) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ( ( )