صفحة رقم ٣٢٢
ولما قرر من عظمته في الدنيا والآخرة ما هو داعٍ إلى اتباعهن صرح بالأمر به تنبيهاً على زيادة عظمته بأمر متباعد في الرتبة على سائر النعوت التي أثنى عليه بها، وذلك كونه صار مقتدي لأفضل ولد آدم، مشيراً إلى ذلك بحرف التراخي الدال على علو رتبته بعلو رتبة من أمر باتباعه فيما مهده مما أمر به من التوحيد والطريق الواضح السهل فقال سبحانه :( ثم أوحينا ) أي ثم زدناه تعظيماً وجلالة بأن أوحينا ) إليك ( وأنت أشرف الخلق، وفسر الإيحاء بقوله عز وجل ترغيباً في تلقي هذا الوحي أحسن التلقي باقتفاء الأب الأعظم :( أن اتبع ) أي بغاية جهدك ونهاية همتك.
ولما كان المراد أصل الدين وحسن الاقتضاء فيه بسهولة الانقياد والانسلاخ من كل باطل، والدعوة بالرفق مع الصبر، وتكرير الإيراد للدلائل وكل ما يدعوا إليه العقل الصرف والفطرة السليمة، عبر بالملة فقال تعالى :( ملة إبراهيم ( ولا بعد في أن يفهم ذلك الهجرة أيضاً.
ولما كانت الحنيفية أشرف أخلاق إبراهيم عليه السلام، فكانت مقصودة بالذات، صرح بها فقال تعالى :( حنيفاً ) أي الحال كونك أو كونه شديد الانجداب مع الدليل الحق ؛ ورغب العرب في التوحيد ونفرهم من الشرك بقوله تعالى :( وما كان ) أي بوجه من الوجوه ) من المشركين ( ولما دعا سبحانه فيها إلى معالي الشيم وعدم الاعتراض، وختم بالأمر بالملة الحنيفية التي هي سهولة الانقياد للدليل، وعدم الكون مع الجامدين، اقتداء بالأب الأعظم، وكان الخلاف والعسر مخالفاً لملته، فكان لا يجر إلى خير، وكان من المعلوم أن كل حكم حدث بعده ليس من ملته، وكان اليهود يزعمون جهلاً أنه كان على دينهم، وكان السبت من أعظم شعائرهم، أنتج ذلك قوله تعالى جواباً لمن قد يدعي من اليهود أنه كان على دينهم، وتحذيراً من العقوبة على الاختلاف في الحق بالتشديد في الأمر.
) إنما جعل ) أي بجعل من لا أمر لغيره ) السبت ) أي تحريمه واحترامه أو وباله ) على الذين اختلفوا فيه ( حين أمرهم نبيهم بالجمعة فقبل ذلك بعضهم وأراد السبت آخرون، فبدلوا بالجمعة السبت.
وشدد عليهم في أمره انتقاماً منهم بما تفهمه التعدية ب ( على ) فكان ذلك وبالاً عليهم، وفي ذلك تذكير بنعمة التيسير علينا ؛ قال البغوي ؛ قال الكلبي : أمرهم موسى عليه السلام بالجمعة فقال : تفرغوا لله في كل سبعة أيام يوماً، فاعبدوه يوم الجمعة، ولا تعملوا فيه عملاً لصنعتكم، وستة أيام لصناعتكم، فأبوا إلا شرذمة منهم وقالوا : لا نريد إلا اليوم الذي فرغ الله فيه من الخلق يوم السبت، فجعل ذلك اليوم عليهم وشدد عليهم فيه، ثم جاءهم عيسى عليه السلام بيوم الجمعة فقالوا : لا نريد أن يكون عيدهم بعد عيدنا، فأخذوا الأحد، فأعطى


الصفحة التالية
Icon