صفحة رقم ٣٢٥
ولما بين أمر الدعوة وأوضح طرقها وقدم أمر الهجرة والإكراه في الدين والفتن فيه المشير إلى ما سبب ذلك من المحن والبلاء من الكفار ظلماً، وختم ذلك بالأمر بالرفق بهم، عم - عد ماخصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم به من الأمر بالرفق، بالأمر لأشياعه بالعدل والإحسان كما تقدم ولو مع أعدى الأعداء، والنهي عن مجازاتهم إلا على وجه العدل - فقال تعالى :( وإن عاقبتم ) أي كانت لكم عاقبة عليهم تتمكنون فيها من أذاهم ) فعاقبوا بمثل ما ( ولما كان الأمر عاماً في كل فعل من المعاقبة من أيّ فاعل كان فلم يتعلق بتعيين الفاعل غرض، بنى للمفعول قوله تعالى :( عوقبتم به ( وفي ذلك إشارة - على ما جرت به عوائد الملوك في كلامهم - إلى إدالتهم عليهم وإسلامهم في يديهم، وجعله بأداة الشك إقامة بين الخوف والرجاء.
ولما أباح لهم درجة العدل، رقاهم إلى رتبة الإحسان بقوله تعالى :( ولئن صبرتم ( بالعفو عنهم ) لهو ) أي الصبر ) خير للصابرين ( وأظهر في موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً بالوصف.
ولما كان التقدير : فاصبروا، عطف عليه إفراداً له صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالأمر، إجلالاً له وتسلية فيما كان سبب نزول الآية من التمثيل بعمه حمزه رضي الله عنه، وتنويهاً بعظم مقام الصبر زيادة في حث الأمة، لأن أمر الرئيس أدعى لامتثال أتباعه، فقال تعالى :( واصبر ( ثم اتبع ذلك بما يحث على دوام الالتجاء إليه المنتج للمراقبة والفناء عن الأغيار ثم الفناء عن الفناء، لئلا يتوهم أن لأحد فعلاً مستقلاً فقال تعالى :( وما صبرك ) أي أيها الرسول الأعظم ) إلا بالله ) أي الملك الأعظم الذي شرع لك هذا الشرع الأقوم وأنت قائم في نصره، ولقد قابل هذا الأمر صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأعلى مقامات الصبر، وذلك أنهم مثلوا بقتلى المسلمين في غزوة أحد إلا حنظلة الغسيل رضي الله عنه فإن أباه كان معهم فتركوه له، فلما وقف النبي صلى الله عليه و على آله وسلم على عمه حمزة رضي الله عنه فوجدهم قد جدعوا أنفه وقطعوا أذنيه وجبوا مذاكيره وبقروا بطنه، نظر إلى شيء لم ينظر قط إلى أوجع لقلبه منه فقال :( رحمة الله عليك، فإنك كنت فعالاً للخير وصولاً للرحم، ولولا أن تحزن صفيه لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى، أما والله لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين منهم، ) وقال الصحابة رضي الله عنهم : لنزيدن على صنيعهم، فلما نزلت الآية بادر ( ﷺ ) الامتثال، وكان لا يخطب خطبة إلا نهى عن المثلة،


الصفحة التالية
Icon