صفحة رقم ٣٣٠
) إنه ) أي هذا العبد الذي اختصصناه بالإسراء ) هو ) أي خاصة ) السميع ) أي أذناً وقلباً بالإجابة لنا والإذعان لاوامرنا ) البصير ( بصراً وبصيرة بدليل ما أخبر به من الآيات، وصدقه من الدلالات، حين نعت ما سألوه عنه من بيت المقدس ومن أمر عيرهم وغيرهما مما هو مشهور في قصة الإسراء مما كان يراه وهو ينعت لهم وهم لا يرونه ولا يقاربون ذلك ولا يطمعون فيه، وقال من كان دخل منهم إلى بيت المقدس : أما النعت والله فقد أصاب، أخبرنا عن عيرنا، فأخبرهم بعدد جمالها، وأحوالها وقال : تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق، فخرجوا ذلك اليوم نحو الثنية يشتدون، فقال قائل : هذه والله الشمس قد طلعت، فقال آخر : وهذه والله العير قد أقبلت، يقدمها جمل أورق كما قال محمد، ثم لم يؤمنوا وقالوا : إن هذا إلا سحر مبين.
قال الإمام الرازي في اللوامع : وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبصرجميع ما في الملكوت بالعين المبصرة مشاهدة لم يتسرب فيه حتى روي أنه قال :( رأيت ليلة أسري بي إلى العلى الذرة تدب على وجه الأرض من سدرة المنتهى.
) وذلك لحدة بصره، والبصر على أقسام : بصر الروح، وبصرالعقل الذي منه التوحيد، وبصر لحدة الذي خص به الأولياء وهو نور الفراسة، وبصر النبوة، وبصر الرسالة.
وهذه الأبصار كلها مجموعة لرسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم دائماً أبداً، وله زيادة بصر قيادة الرسل وسيادتهم، فإنه سيد المرسلين وقائدهم، وكان مطلعاً على الملك والملكوت كما قال : زويت لي الأرض مشارقها ومغرابها - انتهى.
وهذا الأخي رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن ثوبان رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال :( إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشراقها ومغرابها ) وكان يبصر من ورائه كما يبصر من أمامه - كما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه، وفي كثير من طرقه عدم التقييد بالصلاة، وهذا صريح في أن بصره لم يكن متقيداً بالعين، بل خلق الله تعالى الأبصار في جميع أعضائه وكذا السمع، فإن كون العين محلاً لذلك وكذا الأذن إنما هو بجعل الله، ولو جعل ذلك في غيرهما لكان كما يريد سبحانه ولا مانع، ولم يكن الظلام يمنعه من نفود البصر ففي مسند أحمد عن جابر بم عبدالله رضي الله عنهما قال : فقدت رحلي ليلة فمررت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله