صفحة رقم ٣٤٩
دخلوه ) أي الأعداء ) أول مرة ( بالسيف، ويقهروا جميع جنودكم دفعة واحدة ) وليتبروا ) أي يهلكوا ويدمروا مع التقطيع والتفريق ) ما علوا ) أي عليه من ذلك، وقيل : ما مصدرية، أي مدة علوهم فيكون ) يتبروا ( قاصراً فيعظم مدلوله، وأكد الفعل وحقق الوعد فقال :( تتبيراً (.
وقال في التوراة إشارة إلى هذه المرة الأخيرة - والله أعلم - بعد ما مضى من الإشارة إلى المرة الأولى سواء : وإن لم تحفظ وتعمل بجميع الوصايا والسنن التي كتبت في هذا الكتاب لتتقي الله ربك وتهاب اسمه المحمود المرهوب، يخصك الرب بضربات موجعة ويبتليك بها ويبتلي نسلك من بعدك، وينزل بك جميع الضربات التي أنزلها بأهل مصر تدوم عليك، وكل وجع وكل ضربة لم تكتب في هذا الكتاب يبتنليك الله بها حتى تهلك وتبقى من نسلك عدد قليل من بعد كثرتهم التي كانت قد صارت مثل نجوم السماء، لأنك لم تسمع قول الله ربك، فيكون كما فرحكم الرب وأنعم عليكم وكثركم يستأصلكم بالعقاب والنكال، ويدمر عليكم ويتلفكم، وتجلون عن الأرض التي تدخلونها لترثوها، ويفرقكم الرب بين جميع الشعوب من أقطار السماء إلى أقطارها، وتعبدون هناك الآلهة الأخرى التي عملت من الحجارة والخشب لم تعرفوها أنتم ولا آباؤكم، ولا تسكنون أيضاً بين تلك الشعوب ولا تكون راحة لأقدامكم، ولكن يصير الله قلوبكم فزعة مرتجفة، ويبتليكم بظلمة العين وسيلان الأنفس، وتكون حياتكم معلقة حيالكم من بعيد ؛ وتكونون فزعين الليل والنهار، ولا تقصدون أنكم تعيشون، بالغداة تقولون : متى نمسي ؟ وبالعشي تقولونك متى نصبح ؟ وذلك من ذرعت قلوبكم وخوفكم ومن ظلمة أبصاركم وقلة حيلتكم، ويردكم الله إلى أرض مصر في سفن على الحال يشتريكم، هذه أقوال العهد التي أمر الله بها موسى أن يعاهد بني إسرائيل في أرض موآب سوى العهد الذي عاهدهم بحوريب - انتهى.
وإنما قلت : إن هذا إشارة إلى المرة الثانية، لأنه تكرير لذلك الذي قدمته في الأولى، فحمله على أن يكون مشيراً إلى غير ما أشار إليه الأول أولى، بل ربما كان متعيناً، ثم أخبرني بعض فضلاء اليهود أن علماءهم قالوا كذلك، وكان الخراب في هذه المرة على يد طيطوس بعد أن تملك أبوه أسفسيانوس على الروم ورجع من الأرض المقدسة بعد موت ملكهم تيروس الذي كان أرسله لقتال اليهود لما خرجوا عن طاعته، وكان معه يوسف بن كريون أحد أكابر اليهود، وكان أحد من ندبه اليهود لقتال أسفسيانوس ومن معه، فأسروه وأحسنوا إليه فاستمر عندهم، فلما مات تيروس وملكه أصحابه رجع إلى روميه وبعث ابنه للفراغ من القدس وبعث يوسف معه بعد أن استمر