صفحة رقم ٣٥١
وكان الناس يبغضونه ويزجرونه ويتصورونه بالجنون، فلم يزل على ذلك إلى أن أحاط العدو بالمدينة، فابتدأ في بعض الأيام يتكلم على عادته، فأتاه حجر في رأسه فمات ووجد في حائط قدس الأقداس حجر قديم مكتوب عليه ( إذا صار بنيان الهيكل مربعاً ملك على أرض بني إسرائيل ملك عظيم، ويتسلط على سائر الأرض ) فقال قوم : هو ملك بني إسرائيل، وقال الحكماء والكهنة : بل الروم، ووجد أيضاً حجر قديم مكتوب عليه ( إذا كمل بنيان القدس وصار مربعاً فإنه عند ذلك يخرب ) فلما وقع الحصار وانهدم أنطونيا سدوا السور فصار الهيكل مربعاً كما سيأتي، وأعظم الأمارات ما كان عليه خوارجهم من القتال، وسفك دماء الخاص والعام، والحريق والجوع، بحيث إنه أحاط البلاء بهم وبجميع الناس ولا يجدون مهرباً حتى كرهوا الحياة.
ولما خلص طيطوس من الخوارج بات في عسكره، ثم سار بالليل من يالو، فأصبح على بيت المقدس ونزل على رأس جبل الزيتون الذي في شرقي المدينة أورشليم، ليحجز الوادي بينه وبينها ولا يخفى عليه من يخرج إليه منها، ثم رتب عسكره ووصاهم بالتعاون والتظافر واليقظة والحذر، وأن لا يفارق بعضهم بعضاً، وقال : إنكم تقاتلون قوماً لم تقاتلوا مثلهم في البأس والشجاعة والصبر على القتال والبصر بالحرب، فلما رآه اليهود اصطلح رؤساء الخوارج يوحانان وشمعون والعازار على أن لا يحارب بعضهم بعضاً ويتفقوا على محاربة الروم، واجتمعوا وفتحوا باب المدينة ولقوا من كان قرب من الروم، فقاتلوهم واشتد الحرب فانهزم الروم، فردهم طيطوس وشجعهم فعادوا فكانت بينهم حرب عظيمة قتل فيها خلق كثير، وانهزم اليهود فوقفوا عند السور وبعثوا جريدة من أصحابهم في عدد كثير من جهة أخرى، فداروا من وراء عسكر الروم، وزحف أولئك من أمامهم، فكان الروم بين العسكرين فقتل منهم خلق كثير فانهزموا، وثبت طيطوس في جمع من أصحابه فاشتد الأمر حتى كاد يقتل، فقال أصحابه : امضِ إلى الجبلن فاختار الموت على الهزيمة ولم يزل يقاتلهم حتى تخلص بعد أن استظهر عليه اليهود ثلاث دفعات، ولما عاد اليهود إلى المدينة نقضوا عهودهم وحارب بعضهم بعضاً كما كانوا، لأن يوحانان كان يريد الرئاسة، وكان شمعون والعازار يأبيان ذلك، وحضر عيد الفصح - وهو الفطير - فدخل يوحانان في أصحابه إلى القدس في اليوم الأول، فليقهم الناس بالجميل وسروا بهم، فنزعوا ما ظهر من ثيابهم فإذا تحتها السلاح، وأخذوا على الناس الأبوابن فقتلوا خلقاً كثيراً من الكهنة وغيرهم ولم يرحموا صغيراً ولا كبيراً، فقتل العازار وشمعون من كان خارج القدس من جماعة يوحانان، فخرج إليهم واشتد الأمر واتصلت الحرب، فلما علم طيطوس زحف إلى