صفحة رقم ٣٦١
ورغبهم في المسالمة ليتمكنوا من العبادة في هذا العيد، ووعدهم بالإحسان إليهم وقال : قد علمتم أن ملككم بحنيا لما حاضره بختنصر ملك بابل وخرج غليه مستأنفاً، انتفع بذلك ونفع قومه وبلده فسلموا، وأن صدقيا الملك لما لج في محاربة بختنصر ولم يسالمه كما أمرته الأنبياء، أهلك المدينة والأمة وأساء إلى نفسه وإليهم، فسبيلكم أن تعبروا بهما وتهتدوا بأصوبهما فعلاً وأحمدهما عاقبة، فاقبلوا نصيحتي، واكتفوا بما جرى، ووعدهم أن يعفو عن جميع ما تقدم ويحسن إليهم - وأطال الكلام.
وكان يوسف بن كريون يترحم لهم ويبكي بكاء شديداً، ثم قال لهم يوسف : إني لست أعجب منخراب هذه المدينة، لعلمي بأن مدتها قد انتهت، ولكني أتعجب منكم وأنتم تقرؤون كتاب دانيال النبي عليه السلام وتعلمون ما ذكره من بطلان القرابين وعدم الكاهن المسيح، وأنتم مع ذلك لا تنكسرون ولا تخضعون لله، ولا تستسلمون لمن قد سلطه الله عليكم.
فلم يقبل الخرواج ولا رجعوا غير أن جماعة من الكهنة والرؤساء تم لهم الخروج إلى الروم فآمنهم وأحسن إليهم، فمنع الخوارج من بقي، وضبطوا الطرق، فبكى اليهود وشكوا منع الخوارج لهم من الخروج، فأراد الخوارج قتلهم فبادر الروم ليخلصوهم فهجموا إلى القدس فقاتلوهم قتالاً شديداً فانهزم الروم، وأدتهم الهزيمة إلى داخل القدس الأعظم قدس الأقداس، فقتلهم اليهود فيه، فاختار طيطوس من عسكره ثلاثين ألفاً وأمرهم أن يدخلوا إلى صحن القدس لمحاربتهم، وأراد هو الدخول معهم فمنعه أصحابه وقالوا : قف على موضع عال لتقوى قلوب أصحابك، ويبذلوا المجهود في القتال، ولا تخاطر بنفسك وبنا، واتفق رأيهم على بيات، فعلم بذلك اليهود فلم يناموا تلك الليلة، فلما أصبحوا افترق اليهود على أبواب صحن القدس وأقاموا على مقاتلة الروم سبعة أيام، فقتلوا منهم جماعة كثرة وأبعدوهم عن القدس، فأمر طيطوس أصحابه بالكف عنهم ليفيهم الجوع، وكان بقرب القدس قصر عظيم من بناء سليمان بن داود عليهما السلام، ثم زاد فيه ملوك البيت الثاني طبقة عالية من الخشب الحسن ووزروا جميع الجدر بالخشب، فطلوا جميع ما فيه من الخشب بالنفط والكبريت والزفت، ثم أخفوا فيه رجلاً منهم ليشعل النار في مواضع من ذلك الخشب إذا دخله الروم، وكان يفه باب خفي يخرج إلى مضوع آخر لا يفطن له إلا من يعرفه، ثم مضوا إلى عسكر الروم ليلاً وهم في القدس فناوشوهم، فاجتمع عليهم من الروم خلق كثير فقاتلوهم ساعة، ثم انهزموا فدخلوا هذا القصر، فدخل الروم وراءهم فلم يجدوا أحداً منهم، فصعدوا إلى الطبقة العالية، فخرج اليهودي الذي كان قد اختفى، فاختلط بهم وأطلق النار في تلك المواضع، فاضطرمت النار في جميع جوانبه فبادر الروم إلى الباب