صفحة رقم ٣٦٧
كما أن القمر الذي هو أنقص من الشمس كذلك : ثم ذكر بعض المنافع المترتبة على ذلك، فقال تعالى :( لتبتغوا ) أي تطلبوا طلباً شديداً ) فضلاً من ربكم ) أي المحسن إليكم فيهما بضياء هذا تارة وبرد هذا أخرى ) ولتعلموا ( بفصل هذا من هذا ) عدد السنين ) أي من غير حاجة إلى حساب، لأن النيرين يدلان على تحول الحول بمجرد تنقلهما.
ولما كانا أيضاً يدلان على حساب المطالع والمغارب، والزيادة والنقصان، وغير ذلك من الكوائن، لمن أمعن النظر، وبالغ في الفكر، قال تعالى :( والحساب ) أي جنسه، فصلناهما لذلك على هذا الوجه المتقن بالزيادة والنقصان، وتغير الأحوال في أوقات معلومة، على نظام لا يختل على طول الزمان مقدار ذرة، ولا ينحل قيس شعرة إلى أن يريد الله خراب العالم وفناء الخلق، فيبيد ذلك كله في أسرع وقت وأقرب زمن، ولولا اختلافهما لا ختلطت الأوقات وتعطلت الأمور ) وكل شيء ( غيرهما مما تحتاجون إليه في دينكم أو دنياكم ) فصلناه ) أي بعظمتنا، وأزلنا ألباسه، وأكد الأمر تنبيهاً عل تمام القدرة، وأنه لا يعجرزه شيء يريده، فقال تعالى :( تفصيلاً ( فانطروا بأبصاركم وبصائركم، وتتبعوا في علانياتكم وسرائركم، وتجدوا أمراً متقناً ونظاماً محكماً
٧٧ ( ) ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير ( ) ٧
[ الملك : ٤ ].
ولما كان هذا أمر دقيقاً جداً، أتبعه ما هو أدق منه وأغرب في القدرة والعلم من تفاصيل أحوال الآدميين، بل كل مكلف بعضها من بعض من قبل أن يخلقهم، فقال تعالى :( وكل إنسان ) أي من في طبعه التحرك والاضطراب ) ألزمناه ) أي بعظمتنا ) طائره ) أي عمله الذي قدرناه عليه من خير وشر، ولعله عبر به لأنهم كانوا لا يقدمون ولا يحجمون في المهم من أعمالهم إلا بالطائر فيقولون : جرى لفلان الطائر بكذا.
) في عنقه ) أي الذي محل الزين بالقلادة ونحوها، والشين بالغل ونحوه، إلزاماً لا يقدر أن ينفك عن شيء منه كما لا يقدر على الانفكاك عن العنق، وذلك كما ألزمنا بني إسرائيل ما قضينا إليهم في الكتاب، فكان كما قلنا، وهم يعلمون نه من السوء بمكان، فلم يقدروا على الاحتراز منه والانفصال عنه، فلا يمكن أن يظهر في الأبد إلا ما قضى به في الأزل ( جف القم بما هو كائن ) ) ونخرج ) أي بما لنا من العظمة وشمول العلم وتمام القدرة ) له يوم القيامة ) أي الذي لا بد من إيجاده ) كتاباً ( بجميع ما عمل ) يلاقه ( حال كونه ) منشوراً ( تكتبه حَفَظَتَنا كل يوم، ثم إذا صعدوا قابلوا ما فيه على ما سطرناه قديماً في اللوح المحفوظ فيجدونه كما هو، لا خلاف فيه أصلاً، فإذا لقي كتابه يوم العرض قيل له :( اقرأ كتابك ( أنت بنفسك غير ملزم بما يقرأه غيرك ) كفى (


الصفحة التالية
Icon