صفحة رقم ٣٧١
ولما كان ذلك ربما أوجب ان يقال : كيف يعذب الساكت مع إمكان عذره بعجز أو غيره ؟ قال دافعاً لذلك تاركاً مظهر العظمة، تلطفاً بهذا النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة والتسليم، في جملة حالية :( وكفى بربك ) أي المحسن إليك بالعفو عن أمتك وأعقابهم من الاستئصال ) بذنوب عباده ) أي لكونه خلقهم وقدر ما فيهم من جميع الحركات والسكنات ) خبيراً ( من القدم، فهو يعلم السر وأخفى، وأما أنتم فلستم هناك، فكم من إنسان كنتم ترونه من أكابر الصالحين ثم أسفرت عاقبته عند الامتحان عن أنه من أضل الضالين ) بصيراً ( بها، إذا وقعت لا يخفي عليه شيء منها، وأما أتم فكم من شخص كنتم ترونه مجتهداً في العباردةن فإذا خلا بارز ربه بالعظائم.
ولما تقرر أنه سبحانه خبير بذنوبهم بعد تزهيده في الدنيا بما ذكر من مصارع الأولين، أتبعه الإخبار بأنه يعاملهم على حسب علمه على وجه معرف بعلمه بجميع طوياتهم من خير وشر، مرغب في الآخرة، مرهب من الدينا، لأنها المانعة من اتباع الرسل والتقيد بطاعتهم، خوفاً من نقص الحظ من الدينا بزوال ما هو فيه من الرئاسة والمال والانهماك في اللذة جهلاً بأن ما قدر لا يكون غيره سواء كان صاحبه في طاعة أو معصيته فقال تعالى :( من كان يريد ) أي إرادة هو فيها في غاية الإمعان بما اقتضاه طبعه المشار إليه بفعل الكون.
ولما كان مقصود السورة على الإحسان الذي هو العبادة على المشاهدة، وكان ذلك منافياً لحال من يلتفت إلى الدنيا، عبر بقوله تعالى :( العاجلة ) أي فقط ) عجلنا ) أي بعظمتنا ) له فيها ) أي العاجلة ) ما نشاء ( مما يريده لا جميع ما يريده ؛ ثم أبدل من ( له ) قوله تعالى :( لمن نريد ) أي لا لكل من أراد ذلك، تنبيهاً على أن ذلك بقوتنا لا بقوة ذلك المريد ) ثم جعلنا ) أي بما لنا من العظمة ) له ) أي لظاهره وباطنه ) جهنم ) أي الدركة النارية التي تلقى بالتجهم من كان يلقى الدنيا وأهلها بالتبسم ) يصلاها ( في الآخرة ) مذموماً ) أي مفعولاً به الذم، وهو ضد المدح ) مدحوراً ( مدفوعاً مطروداً مبعداً، فينبغي لمريد الدنيا أن لا يزال على حذر لأنه لا ينفك من عذاب الآخرة، فإن لم يعط شيئاً من مناه - كما أشار إليه لأ ) لمن نريد ( اجتمع له العذابان كاملين : فقل الدنيا وعذاب الآخرة، وإن أعطى فهو لا يعطي كل ما يريد - بما أشار إليه ( ما نشاء ) - فيجتمع له عذاب مامنعه مها مع عذاب الآخرة.
ولما ذكر الجاهل ذكر العالم العامل فقال تعالى :( ومن أراد الآخرة ) أي مطلق إرادة - بما أشار إليه التجريد ) من كان ( ) وسعى ) أي وضم إلى نيته العمل بأن سعى ) لها سعيها ) أي الذي هو لها، وهو ما كانت جديرة به من العمل بما يرضي الله بما