صفحة رقم ٣٨٣
من النهي عن الشرك بالعطف بفاء السبب على ) ما ( بعد الاستئناف بهمزة الإنكار، فكان كأنه قيل : لا تفعل ذلك كما فعل هؤلاء الذين أفرطوا في الجهل فنسبوا إليه من خلقه أدنى الجزءين كما تقدم في النحل في قوله تعالى ) ) ويجعلون لله بنات ( ) [ النحل : ٥٤ ] ثم عبدوا ذلك الجزء وهم لا يرضونه لأنفسهم ؛ ثم التفت إليهم مخاطباً بما دل على تناهي الغضب فقال :( أفأصفاكم ربكم ) أي أخلق المحسن إليكم بنين وبنات فأصفاكم إحساناً إليكم وأنتم تكفرون به ) بالبنين ( الذين هم أفضل صنفي الأولاد، ) و ( لم يحسن إلى نفسه بأن شارككم في البنين، بل ) اتخذ ( عبر بالافتعال لأن من عدل إلى أحد الصنفين مع التمكن من الآخر لا يكون إلا شديد الرغبة فيما عدل إليه ) من الملائكة ( الذين هم أقرب عباده أولاداً، ثم ما كفاه نقص الولدية ومعالجة أسبابها حتى جعل ما اتخذه ) إناثاً ( فرضي لنفسه - وهو إلهكم الخالق الرازق - با لا ترضونه لأنفسكم، ووصلتم في كراهته في بعض الحالات إلى القتل، فصار مشاركاً لكم في البنات مخصصاً لكم دونه بالبنين، وذلك خلاف عادتكم، فإنه العبيد لا يؤثرون بالأجود ويكون الأدون للسادات، وعبر أولاً بالبنين دون الذكور لأن اسم الابن ألذ في السمع، مرض لمن بشر به من غير نظر في العاقبة، وقد يكون أنثى الأفعال، ولأن اسم الذكر مشترك المعنى، وعبر في الثاني بالإناث لإفهام الرخاوة بمدلول اللفظ، ولأنهن لنفسه بالبنات، وخصكم في نوعكم الذي هو أضعف ما يكون بالذكور، واتخذ من الملائكة الذين منهم من يقدر على حمل الأرض وقلب أسفلها على أعلاها إناثاً في غاية الرخاوة، ولذلك استأنف الإنكار عليهم معظماً لذلك بقوله تعالى :( إنكم لتقولون ( وأكده لما لهم من التهاون له والاجتراء عليه بقوله تعالى :( قولاً ( وزاد في ذلك بقوله :( عظيماً ) أي في الجهل والإفك، عليه وعلى ملائكة الذين لا يعصونه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فتضيفون إليه الأولاد وهم من خصائص الأجسام ثم تفضلون أنفسكم عليه فتجعلون له ما تكرهون.
الإسراء :( ٤١ - ٤٤ ) ولقد صرفنا في.....
) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ( ( )
ولما كان في هذا من البيان ما لا يخفى على لسان ولم يرجعوا، أشار إلى أن لهم أمثال هذا الإعراض عن أمثال هذا البيان فقال تعالى :( ولقد صرفنا ) أي طرقنا