صفحة رقم ٣٨٥
ثم استأنف بيان عظمة هذا التنزيه مقروناً بالوصف بالكمال فقال تعالى :( تسبح ) أي توقع التنزيه الأعظم ) له ) أي الإله الأعظم الذي تقدم وصفه بالجلال والإكرام خاصة ) السماوات السبع ( كلها ) والأرض ( أيضاً ) ومن فيهن ( من ذوي العقول ) وإن ) أي وما، وأعرق في النفي فقال تعالى :( من شيء ) أي ذي عقل وغيره ) إلا يسبح ) أي ينزه له ملتبساً ) بحمده ) أي بوصفه فقال تعالى :( من شيء ) أي ذي عقل وغيره ) إلا يسبح ) أي ينزه له ملتبساً ) بحمده ) أي بوصفه بما له من صفات الكمال بما له تعالى في ذلك الشيء من الآيات الدالة على كل من السلب والإيجاب، وهذا تسبيح بلسان المقال ممن يصح منه، وبلسان الحال منه ومن غيره، كما قال الجدار للوتد : لم تشقني ؟ فقال : سل من يدقني.
وهو تسبيح من جهات شتى ليسمعها العارفون بسمع الفهم وصفاء الذهن من جهة ذاتها في خلقها ثم في معنى صفتها بحاجتها من جهة حدوثها إلى صانع أحدثها قديم غير مصنوع، ومن جهة إتقانها إلى كونه مدبراً حكيماً، ومن جهة فنائها إلى كونه مع ذلك قادراً مختاراً، قاهراً جباراً - إلى غير ذلك، بخلاف ما لو قصر التسبيح على لسان المقال فإنه يكون من نوع واحد، وأوضح مرشداً إلى ذلك قوله تعالى :( ولكن لا تفقهون ( دون ( تسمعون ) ) تسبيحهم ( لإعراضكم عن النظر زنفوزكم عن سماع الذكر الذي هو أعظم أسبابه، على أن هذا إنما هو بالنسبة لعامة الخلق، وأما الخاصة فإنهم يسمعون تسبيح الجمادات ؛ روى البخاري عن عبد الله رضي الله عنه قال : كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفاًن كنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر فقل الماء فقال : اطلبوا فضلة من ماء، فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل : فأدخل يده في الإناء وقال : حيّ على الطهور المبارك والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وشرف وكرم وبجل وعظم - ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
وتسبيح الحصى مشهور، وفي زبور داود عليه السلام تكرير كثير لهذه الآية وحث على تأملها، قال في المزمور الثامن والستين : تسبح له السماوات والأرض والبحار وكل ما يدب فيها.
وفي المزمور الخامس والثمانين : فليس مثلك يا ربي وإلهي ولا مثل أعمالك، لأن جميع الأمم الذين خلقت يأتون ويسجدون أمامك يا رب ويسبحون لاسمك، لأنك عظيم صانع الآيات.


الصفحة التالية
Icon