صفحة رقم ٣٩٣
هي أحسن ( لأكون معهم لأني مع الذين هم محسنون ؛ ثم علل ذلك بقوله تعالى :( إن الشيطان ) أي البعيد من الرحمة، المحترق باللعنة ) ينزغ بينهم ) أي يفسد ويغري ويوسوس، وأصل النزغ الطعن، وهم غير معصومين، فيوشك أن يأتوا بما لا يناسب الحال أو الوقت بأن يذكروا مساوئ غيرهم أو محاسن أنفسهم فيوقع في شر ؛ ثم علل هذه العلة بقوله تعالى :( إن الشيطان كان ) أي في قديم الزمان وأصل الطبع كوناً هو مجبول عليه ) للإنسان عدواً ) أي بليغ العداوة ) مبيناً ( ثم فسر ( التي هي أحسن ) مما علمهم ربهم من النصفة بقوله تعالى :( ربكم أعلم بكم ( ثم استأنف فقال تعالى :( إن يشأ ( رحمتكم ) يرحمكم ( بأن ييسر لكم أفعال الخير ) أو إن يشأ ( عذابكم ) يعذبكم ( بأن ييسركم لأفعال الشر، فإذا قالوا لهم لك كانوا جديرين بأن يعرضوا - أو من أراد الله منهم - أفعالهم على ما يعلمونه من الخير والشر فينظروا أيهما أقرب إليها، وربما ردهم ذلك من أنفسهم عن الفساد، لحسم مادة العناد، ويجوز - وهو - عندي أحسن - أن تكون الآية استئنافاً واقعاً موقع التعليل للأمر بقول الأحسن، أي ) ربكم ( أيها العباد ) أعلم بكم ( وبما يؤول أمركم إليه من سعادة وشقاوة ) إن يشأ يرحمكم ( بهدايتكم ) أو إن يشأ يعذبكم ( بإضلالكم، فلا تحتقروا أيها المؤمنون المشركين فتقطعوا بأنهم من أهل النار فتعيروهم بذلك، فإنه يجر إلى الإحن وحر الصدور وغيظ القلوب بلا فائدة، لأن الخاتمة مجهولة، ولا تتجاوزا فيهم ما آمركم به من قول وفعل فإنه الأحسن ؛ ثم رقى الخطاب إلى أعلى الخلق ورأس أهل الشرع ليكون من دونه إولى بالمعنيّ منه فقال تعالى :( وما ) أي فما أرسلناك إلا للدعاء بمثل ذلك على حسب ما نأمرك به، وما ) أرسلناك ) أي مع ما لنا من العظمة الغنية عن كل شيء ) عليهم وكيلاً ) أي حفيظاً وكفيلاً لغيرهم على ما يرضى الله، وإنما أرسلناك بشيراً ونذيراً فدارهم وأمر أصحابك بمداراتهم.
ولما أمرهم بأن ينسبوا الأعلمية بهم إليه سبحانه، أخبر بما هو أعم من ذلك فقال تعالى عاطفاً على ) ربكم ( إعلاماً بأن علمه ليس مقصوراً عليهم، بل هو محيط، قاصراً الخطاب لعى أعلم الخلق به سبحانه إشارة إلى أنه لا يعلم هذا حق غيره :( وربك ) أي المحسن إليك بأم جعلك أكمل الخلق ) أعلم ) أي من كل عالم ) بمن في السماوات ) أي كلها ) والأرض ( منهم ومن غيرهم، بأحوالعم ومقاديرهم وآجالهم وما يستأهل كل واحد منهم، لأنه هو الذي خلقهم وفاوت بينهم في أخلاقهم وهيئاتهم فكيف يستعبدون أن يكون يتيم أبي طالب - على ما كانوا يقولون - نبياً، وأن يكون أصحابه العراة الجياع أفضل منهم.


الصفحة التالية
Icon