صفحة رقم ٤٠٧
ولما كان التقدير : أعرضتم بعد إذ أنجاكم فكفرتم بذلك وكان الكفر وصفاً لكم لازماً، فتسبب عن ذلك أنكم أمنتم، أي فعلتم بذلك فعل الآمن، أنكر عليهم هذا الأمر لكونه من أجهل الجهل فقال تعالى :( أفأمنتم ) أي أنجوتم من البحر فأمنتم بعد خروجكم منه ) أن نخسف ) أي بما لنا من العظمة ) بكم ( ودل على شدة إسراعهم بالكفر عند وصولهم إلى أول الساحل بقوله تعالى :( جانب البر ) أي فنغيبكم فيه في أيّ جانب كان منه، لأن قدرتنا على التغييب في التراب في جميع الجوانب كقدرتنا على التغييب في الماء سواء، فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في جميع الجوانب ) أو ( أمنتم إن غلظت أكبادكم عن تأمل مثل هذا أن ) يرسل عليكم ( من جهة الفوق شيئاً من أمرنا ) حاصباً ) أي يرمي بالحصباء، أي بالحصى الصغار - قاله الرازي في اللوامع، وقال الرماني : حجارة يحصب بها، أي يرمي بها، حصبه - إذا رماه رمياً متتابعاً - انتهى.
يرميكم ذلك الحاصب في وجوهكم أو فوق رؤوسكم رمياً يهلك مثله كما وقع لقوم لوط أنا أرسلنا عليهم حاصباً، وقيل : الحاصب : الريح، ولم يقل : حاصبة لأنه وصف لزمها، ولم يكن لها، مذكر تنتقل إليه في حال فكان بمنزلة حائض ) ثم لا تجدوا ( أيها الناس ) لكم ( وأطلق ليعم فقال تعالى :( وكيلاً ( ينجيكم من ذلك ولا من غيره كما لم تجدوا في البحر وكيلاً غيره ) أم أمنتم ( إن جاوزت بكم الغباوة حدها فلم تجوزوا ذلك ) أن يعيدكم فيه ) أي البحر بما لنا من العظمة التي تضطركم إلى ذلك فتقركم عليه وإن كرهتم ) تارة أخرى ( بأسباب تضطركم إلى ذلك ) فنرسل عليكم ) أي بما لنا من صفة الجلال ) قاصفاً ( وهو الكاسر بشدة ) من الريح ( كما عهدتم أمثاله يا من وقفت أفكارهم مع المحسوسات فرضوا بذلك أن يكونوا كالبهائم لا يفهمون إلا الجزيئات المشاهدات ) فيغرقكم ) أي في البحر الذي أعدناكم فيه، لعظمتنا ) بما كفرتم ( كما يفعل أحدكم إذا ظفر بمن كفر إحسانه ) ثم لا تجدوا لكم ( وإن أمعنتم في الطلب، وطالت أزمانكم في إتقان السبب.
ولما كان إطلاق النفي في ختام الآية الماضية - وإن كان لإرادة التعميم - يحتمل أن يدعي تقييده بما يخالف المراد، وكان القصود هنا التخويف بسطوته سبحانه تارة بالخسف وتارة بغيره، قيد بما عين المراد، وقدم قوله تعالى :( علينا ( دلالة على باهر العظمة ) به ) أي بما فعلنا بكم ) تبيعاً ) أي مطالباً يطالبنا به.
الإسراء :( ٧٠ - ٧٢ ) ولقد كرمنا بني.....
) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ( ( )