صفحة رقم ٤٠٩
العظمة ) كل أناس ) أي منكم ) بإمامهم ) أي بمتبوعهم الذي كانوا يتبعونه، فيقال : يا أتباع نوح يا أتباع إبراهيم يا أتباع عيسى يا أتباع محمد فيقومون فيميز بين محقيهم ومبطليهم، ويقال : يا أتباع الهوى يا أتباع النار يا أتباع الشمس يا أتباع الأصنام ونحو هذا، أو يكون المراد بسبب أعمالهم التي ربطناهم بها ربط المأموم بإمامه كما قال تعالى ) وكل إنسان الزمناه طائره في عنقه ( وسماها إماماً لكونهم أموها واجتهدوا في قصدهان وندفع إليهم الكتب التي أحصت حفظتنا فيها تلك الأعمال ) فمن أوتي ( منهم من مؤتٍ ما ) كتبه بيمينه ( فهم البصراء القلوب لتقواهم وإحسانهم، وهم البصراء في الدنيا، ومن كان في هذه الدنيا بصيراً فهو في الآخرة أبصر وأهدى سبيلاً ) فأولئك ) أي العالو المراتب ) يقرءون كتابهم ) أي يجددون قراءته ويكررونها سروراً بما فيه كما هو دأب كل من سر بكتاب ) ولا يظلمون ( بنقص حسنة ما من ظالم ما ) فتيلاً ) أي شيئاً هو في غاية القلة والحقاره، بل يزادون بحسب إخلاص النيات وطهارة الأخلاق وزكاء الأعمال، من أوتي كتابه بشماله فهو لا يقرأ كتابه لأنه أعمى في هذه الدار ) ومن كان ( منهم ) في هذه ( الدار ) أعمى ) أي ضالاً يفعل في الأعمال فعل الأعمى في أخذ الأعيان، لا يهتدي إلى أخذ ما ينفعه وترك ما يضره، ولا يميز بين عمى مما كان عليه في هذه الدار، لا ينجح له قصد، ولا يهتدي لصواب، ولايقدر على قراءة كتاب، لما فيه من موجبات العذاب، ولم يقل : أشد عمى، كما يقولونه في الخلق اللازمة لحالة واحدة من العور والحمرة والسواد ونحوهما، لأن هذا مراد به عمى القلب الذي من شأنه التزايد والحدوث في كل لحظة شيئاً بعد شيء، فخالف ما لا يزيد ؛ ولم يمله أبو عمرو مع إمالة الأول ليدل على أن معناه : أفعل من كذا، فهو وسط، والإمالة إنما يحسن في الأواخر، ولأن هذا معناه، عطف عليه قوله تعالى :( وأضل سبيلاً ( لأن هذه الدار دار الاكتساب والترقي بالأسباب، وأما تلك فليس فيها شيء من ذلك ؛ فالآية من الاحتباك : أثبت الإيتاء باليمين والقراءة أولاً دليلاً على حذف ضدهما ثانياً، وأثبت العمى ثانياً دليلاً على حذف ضده أولاً.
الإسراء :( ٧٣ - ٧٦ ) وإن كادوا ليفتنونك.....
) وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً ( ( )
ولما قرر أن من ترك سبيل الرشد كان الأعمى، ومن تبعها كان كالبصير، أتبعه