صفحة رقم ٤١٧
بالسياق فقال تعالى :( عسى أن ) أي لتكون بمنزلة الراجي لأن ) يبعثك ( ولما كان السياق قد انصرف للترجية، عبر بصفة الإحسان فقال تعالى :( ربك ) أي المحسن إليك بعد الموت الأكبر وقبله، كما بعث نفسك من الموت الأصغر إلى خدمته ) مقاماً ( نصب على الظرف ) محموداً ( وذلك لأن ( عسى ) للترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه، وقد يضعف ذلك فيلزم الشك في الأمر، وقد يقوى فيأتي اليقين، وهي هنا لليقين، قالوا : إن عسى تفيد الإطماع، ومن أطمع أحداً في شيء ثم حرمه كان عاراً، والله تعالى أكرم من أن يفعل ذلك، وعبر بها دون ما يفيد القطع لأن ذلك أقعد في كلام الملوك لأنه أدل على العظمة، وللبخاري في التفسير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثى، كل أمة تتبع نبيها، يقولون : يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.
أي فيظهر ما له من الحظ من اسمه أحمد ومحمد في ذلك الحين بحمد كل ذي روح بإيصال الإحسان إلى كل منهم بالفعل، وله في التفسير وغيره عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال :( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ).
يعني - والله أعلم - الشفاعة الخاصة، وأما العامة فللكل بغير شرط.
ولما كان هذا المقام صالحاً للشفاعة ولكل مقام يقومه، وكان كل مقام يحتاج إلى التوفيق في مباشرته والانفصال عنه، تلاه حاثاً على دوام المراقبة واستشعار الافتقار بقوله مقدماً المدخل لأنه أهم :( وقل رب ) أي أيها الموجد لي، المدبر لأمري، المحسن إليّ ) أدخلني ( في كل مقام تريد إدخالي فيه حسي ومعنوي دنيا وأخرى ) مدخل صدق ( يستحق الداخل فيه أن يقال له : أنت صادق في قولك وفعلك، فإن ذا الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً ) وأخرجني ( من كل ما تخرجني منه ) مخرج صدق (.
ولما كان الصدق في الأمور قد لا يقارنه الظفر، قال تعالى :( واجعل لي ( أي


الصفحة التالية
Icon