صفحة رقم ٤٤٣
الرحمن، للجزاء بالإساءة أو الإحسان، ومهلة أخرى يُحبس فيها السابق من الخلائق إلى ورود مشرع الموت لانتظار اللاحق، إلى بلوغ ما ضرب سبحانه من الآجال، لأزمان الإمهال، وقيام الناس أجمعين، لرب العالمين، وهو البرزخ وكان ما قبل التكليف شبيهاً بالعدم إلا في تعلم الكتاب والتوحيد والاجتماع على أهل الدين والوفاء بما تقدموا فيه بالعهد من الأحكام، ودربوا عليه من الحلال والحرام، أشير إليه بما بين الفاتحة والأنعام التي هي سورة الإيجاد الأول من السور الأربع، وكأن سن الاحتلام كان أول الإيجاد من الإعدام، وأشير إلى بقية العمر وهو زمان التكليف بما بين الأنعام وهذه السورة من السور التي ذُكِرَ فيها مصارع الأولين وأخبار الماضين تحذيراً من مثل أحوالهم، لمن نسج على منوالهم، وختمت بالتحميد مقترناً بالتوحيد إشارة إلى أنه يجب الاجتهاد في أن يختم الأجل في أعلى ما يكون من خصال الدين، وأشير إلى مهلة البرزخ بما بين هذه وسورة الإيجاد الثاني من السور التي ذكر في غالبها مثل ذلك، وأكثر فيها كلها من ذكر الموت وما بعده من البرزخ الذي يكون لانقطاع العلائق باجتماع الخلائق، لأجل التجلي في رد العظمة، والكشف البليغ عن نفوذ الكلمة، والتحلي بالحكم باستقرار الفريقين في دار النعيم أو غار الجحيم، وأكثر فيما بين هذه وبين سبأ من أمر البعث كثرة ليست فيما مضى حتى صدر بعضها به، وبناها عليه كسورتي الأنبياء
٧٧ ( ) اقترب للناس حسابهم ( ) ٧
[ الأنبياء : ١ ] والحج
٧٧ ( ) إن زلزلة الساعة شيء عظيم ( ) ٧
[ الحج : ١ ] ولما لم يكن بين البعث وما بعده مهلة لشيء من ذلك، عقب سورة الإيجاد الثاني بسورة الإبقاء الثاني من غير فاصل ولا حاجز ولا حائل - والله أعلم.
ولما وصف الكتاب بما له من العظمة في جميع ما مضى من أوصافه من الحكمة والإحكام، والتفصيل والبيان، والحقية، والإخراج من الظلمات إلى النور، والجمع لكل معنى والتبيان لكل شيء، أتبعه ذكر فائدته مقدماً ما هو الأهم من درء المفسدة بالإنذار، لأنه مقامه كما هو ظاهر من ) سبحان ( فقال :( لينذر ( وقصره على المفعول الأول ليعم كل من يصخ قبوله الإنذار ولوتقديراً، وليفيد أن الغرض بيان المنذر به لا المنذر ) بأساً شديداً ( كائناً ) من لدنه ) أي أغرب ماعنده من الخوارق بما في هذا الكتاب من الإعجاز لمن خالف أمره من عذاب الدنيا والآخرة كوقعه بدر وغيرها المفيد لإدخال الإسلام عليهم وهم كارهون، بعد ما كانوا فيه من القوة وهو من الضعف ) ويبشر المؤمنين ) أي الراسخين في هذا الوصف ) الذين يعملون الصالحات ( وهو ما امر به خالصاً له، وذلك من أسنان مفتاح الإيمان ) أن لهم ) أي من حيث هم عاملون ) أجراً حسناً ( وهو النعيم، حال كونهم ) ماكثين فيه أبداً ( بلا انقطاع أصلاً، فإن الأبد زمان لا آخر له، فجمعت هاتان العلتان جميع معاني الكتاب فإنه لا يكون كذلك إلا وقد جمع أيضاً جميع شرائع الدين وأمر المعاش وأمر المعاد وما يعنيهم فعله أو تركه


الصفحة التالية
Icon