صفحة رقم ٤٧١
المحسوسات المشاهدات ) ولم تكن له فئة ) أي جماعة لا من نفره الذين اعتز بهم ولا من غيرهم ) ينصرونه ( مما وقع فيه ) من دون الله ) أي بغير عون من الملك الأعظم ) وما كان ( هو ) منتصراً ( بنفسه، بل ليس الأمر في ذلك إلا لله وحده.
ولما أنتج هذا المثل قطعاً أنه لا لغير الله المرجو لنصر أوليائه بعد ذلهم، ولإغنائهم بعد فقرهم، ولإذلال أعدائه بعد عزهم وكبرهمن وإفقارهم بعد إغنائهم وجبرهم، وأن غيره إنما هو كالخيال لا حقيقة له، صرح بذلك في قوله تعالى :( هنالك ) أي في مثل هذه الشدائد العظيمة ) الولاية ) أي النصرة - على قراءة الفتح، والسلطان - على الكسر، وهي قراءة حمزة والكسائي، والفتح لغيرهما، وهما بمعنى واحد، وهو المصدر كما صدر به في القاموس.
) لله ) أي الذي له الكمال كله ) الحق ) أي الثابت الذي لا يحول يوماً ولا يزول، ولا يغفل ساعة ولا ينام، ولا ولاية لغيره بوجه - هذا على قراءة الجماعة بالجر على الوصف وهو في قراءة أبي عمرو والكسائي بالرفع على الاستئناف والقطع تقليلاً، تنبيهاً على أن فزعهم في مثل هذه الأزمات إليه دون غيره برهان قاطع على أنه الحق وما سواه باطل، وأن الفخر بالعرض الزائل من أجهل الجهل، وأن المؤمنين لا يعيبهم فقرهم ولا يسوغ طردهم لأجله، وأنه يوشك أن يعود فقرهم غنى وضعفهم قوة.
ولما علم من ذلك من أنه آخذ بأيدي عبيدة الأبرار وعلى أيدي عصاته الأشرار، قال تعالى :( هو خير ثواباً ( لمن أثابه ) وخير عقباً ) أي عاقبة عظيمة، فإن فعلا - بضمه وبضمتين - من صيغ جموع الكثرة فيفيده ذلك مبالغة وإن لم يكن جمعاً، والمعنى أنه أي ثوابه لأوليائه خير ثواب وعقباه خير عقبى.
الكهف :( ٤٥ - ٤٧ ) واضرب لهم مثل.....
) وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ( ( )
ولما أتم المثل لدنياهم الخاصة بهم التي أبطرتهم، فكانت سبب إشقائهم وهم يحسبون أنها عين إسعادهم ضرب لدار الدنيا العامة لجميع الناس في قلة بقائها وسرعة فنائها، وأن من تكبر بها كان أخس منها فقال تعالى :( واضرب لهم ) أي لهؤلاء الكفار امغتربين بالعرض الفاني، المفتخرين بكثرة الأموال والأولاد وعزة النفر ) مثل الحياة الدنيا ) أي التي صفتها - التي هم بها ناطقون - تدل على أن ضدها الأخرى، في ينوعها


الصفحة التالية
Icon