صفحة رقم ٤٧٦
ولما كان أكثر الجن مفسداً، رجوعاً إلى الأصل الذي هو النار المحرقة لما لاصقها، المفسدة له، سبب فسقه عن كونه منهم فقال تعالى :( ففسق ) أي خرج، يقال : فسقت الفأرة من حجرها - إذا خرجت للعيث والفساد.
) عن أمر ربه ) أي سيده ومالكه المحسن إليه بإبداعه، وغير ذلك من اصطناعه، في شأن أبيكم، إذ تكبر عليه فطرده ربه من أجلكم، فلا تستنوا به في الافتخار والتكبر على الضعفاء، فإن من كانت خطيئته في كبر لم يكن صلاحه مرجواً، ومن كانت خطيئته في معصية كان صلاحه مرجواً، ثم سبب عن هذا ما هو جدير بالإنكار فقال تعالى في أسلوب الخطاب لأنه أدل على تناهي الغضب وأوجع في التبكيت، والتكلم لأنه أنص على المقصود من التوحيد :( أفتتخذونه ) أي أيفسق باستحقاركم فيطرده لأجلكم فيكون ذلك سبباً لأن تتخذوه ) وذريته ( شركاء لي ) أولياء ( لكم ) من دوني ) أي اتخاذ مبتدئاً من غيري أو من أدنى رتبة من رتبتي، ليعم الاتخاذ استقلالاً وشركة، ولو كان المعنى : من دون - أي غير - اتخاذي، لأفاد الاستقلال فقط، ولو كان الاتخاذ مبتدئاً منه بأن كان هو الآمر به لم يكن ممنوعاً، وأنا وليكم المفضل عليكم ) وهم لكم ( ولما كان بناء فعول للمبالغة ولا سيما وهو شبيه بالمغالاة في نحو القول، أغنى عن صيغة الجمع فقال :( عدو ( إشارة إلى أنهم في شدة العداوة على قلب واحد.
ولما كان هذا الفعل أجدر شيء بالذم، وصل به قوله تعالى :( بئس ( وكان الأصل : لكم، ولكنه أبرز هذا الضمير لتعليق الفعل بالوصف والتعميم فقال تعالى :( للظالمين بدلاً ( إذا استبدلوا من ليس لهم شيء من الأمر وهم لهم عدو بمن له الأمر كله وهو لهم ولي.
الكهف :( ٥١ - ٥٢ ) ما أشهدتهم خلق.....
) مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً ( ( )
ولما كان الشريك لا يستأثر بفعل أمر عظيم في المشترك فيه من غير علم لشريكه به، قال معللاً للذم على هذا الظلم بما يدل عل حقارتهم عن هذه الرتبة، عادلاً في أسلوب التكلم إلى التجريد عن مظهر العظمة لئلا يتعنت من أهل الإشراك متعنت كما عدل في ) دوني ( لذلك :( ما أشهدتهم ) أي إبليس وذريته ) خلق السماوات والأرض ( نوعاً من أنواه الإشهاد ) ولا خلق أنفسهم ( إشارة إلى أنهم مخلوقون وأنه لا يصح في عقل عاقل أن يكون مخلوق شريكاً لخالقه أصلاً ) وما كنت ) أي أزلاً وأبداً متخذهم، هكذا الأصل ولكنه أبرز إرشاداً إلى أن المضل لا يستعان به، لأنه مع عدم نفعه يضر، فقال تعالى :( متخذ المضلين عضداً ( إشارة إلى أنه لا يؤسف على فوات إسلام