صفحة رقم ٤٨٧
التعجيب من هذا النسيان بالاعتراض بين الإخبار به مجملاً وبين تفصيل أمره وبإيقاع النسيان عليه ثم على ذكره فقال تعالى :( وما أنسانيه ( مع كونه عجيباً ) إلا الشيطان ( بوساوسه.
ولما كان المقام للتدريب في عظيم تصرف الله تعالى في القلوب بإثبات العلم ونفيه وإن كان ضرورياً، ذكر نسيانه، ثم أبدل من ضميره قوله تعالى :( أن أذكره ( لك فإنه عاش فانساب من المكتمل في البحر ) واتخذ سبيله ) أي طريقه الذي ذهب فيه ) في البحر عجباً ( وذكه له الآن مانع من أن يكون للشيطان عليه سلطان على أن هذا الإنساء ليس مفوتاً لطاعة، بل فيه ترقية لهما في معارج المقامات العالية لوجدان التعب بعد المكان الذي فيه البغية، وحفظ الماء منجاباً على طول الزمان وغير ذلك من آيات الإيقانن وقوله تعالى ) إنما سلطانه على الذين يتولونه ) [ النحل : ١٠٠ ] مبين أن السلطان الحمل على المعاصي، وقد كان في هذه القصة خوارق حياة الحوت وإيجاد ما كان أكل منه، وإمساك الماء عن مدخله، وقد اتفق لنبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم نفسه أو أتباعه ببركته مثل ذلك.
أما إعادة ما أكل من الحوت المشوي - وهو جنبه - فقد روى البيهقي في أواخر دلائل النبوة عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الحجة التي حجها حتى إذا كنا ببطن الروحاء - فذكر قصة المرأة التي أبرأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولدها من الجنون إلى أن قال : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حجته انصرف حتى إذا نزل ببطن الروحاء أتته تلك المرأة بشاة قد شوتها، فأمر بأخذ تلك الشاة منها ثم قال :( يا أسيم - ) وكان إذا دعاه رخمه ( ناولني ذراعاً، ) وكان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقدمها، ثم قال :( يا أسيم ناولني ذراعاً ) فناولته، ثم قال :( يا أسيم ناولني ذراعاً ) فقلت : يا رسول الله إنما هما ذراعان وقد ناولتك، فقال :( والذي نفسي بيده لو سكتَّ ما زلت تناولني ذراعاً ما قلت لك : ناولني ذراعاً ) فقد أخبر ( ﷺ ) أنه لو سكت أوجد الله لها ذراعاً ثم ذراعاً وهكذا، وقوله الحق الذي لا فرق بينه وهو في عالم الغيب وبين ما وجد في عالم الشهادة.