صفحة رقم ٤٩٠
وفي هذا الأمر من هذه القصة قاصمة للسائلين والآمرين لهم بالسؤال، لأن المراد - والله أعلم - أن هذا الأمر وقع لنبي هؤلاء المضلين، فمر قريشاً أن يسألوهم عن هذه القصة، فإن أخبروهم عنها بمثل ما أخبرتهم فصدقوهم، لزمهم أن يؤمنوا بالبعث لأمر هذا الحوت الذي أحياه الله بعد أن كان مشوياً وصار كثير منه في البطون، وإن مل يصدقوهم في هذا وصدقوهم في غيره مما يتعنتون به عليك فهو تحكم، وإن كانوا يتهمونهم في كل أمر كان سؤالهم لهم عبثاً، ليس من أفعال من يعقل، فكأنه قيل : فما قال موسى حينئذ ؟ فقيل :( قال ( منبهاً على أن ذلك ليس من الشيطان، وإنما هو إغفال من الله تعالى بغير واسطة ليجدا العلامة التي أخبره الله بها كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( إنى لأنسى - أي ينسيني الله تعالى - لأسن ) :( ذلك ) أي الأمر العظيم من فقد الحوت ) ما كنا نبغ ) أي نريد من هذا الأمر المغيب عنا، فإن الله تعالى جعله موعداً لي في لقاء الخضر ) فارتدا على ءاثارهما ( يقصانها ) قصصاً ( وهذا يدل على أن الأرض كانت رملاًن لا علم فيها، فالظاهر - والله أعلم - أنه مجمع النيل والملح الذي عند دمياط، أو رشيد من بلاد مصر، ويؤيده نقر العصفور في البحر الذي ركبا في سفينته للتغذية - كما في الحديث، فإن الطير لا يشرب من الملح، ومن المشهور في بلاد رشيد أن الأمر كان عندهم، وأن عندهم سمكاً ذاهب الشق يقولون : أنه من نسل تلك السمكة - والله أعلم.
فاستمرا يقصان حتى انتها إلى موضع فقد الحوت ) فوجدوا عبداً من عبادنا ( مضافاً إلى حضرة عظمتنا وهو الخضر عليه السلام ) ءاتيناه ( عظمتنا ) رحمة ) أي وحياً وبنوة، وكونه نبياً قول الجمهور ) من عندنا ) أي مما لم يجر على الأمور المستبطنة المستغربة التي عندنا مما لم يحدث عن الأسباب المعتادات، فهو مستغرب عند أهل الاصطفاء ) علماً ( قذفناه في قلبه بغير واسطة ؛ وقال الأستاذ أبو الحسن الحرالي :( عند ) في لسان العرب لما ظهر، و ( لدن ) لما بطن، فيكون المراد بالرحمة ما ظهر من كراماته، وبالعلم الباطن الخفي المعلوم قطعاً أنه خاص بحضرته سبحانه، فأهل التصوف سموا العلم بطريق المكاشفة العلم اللدني، فإذا سعى العبد في الرياضيات يتزين الظاهر بالعبادةن وتتخلى النفس عن الأخلاق الرذيلة، وتتحلى بالأخلاق الجميلة، وتصير القوى الحسية والخيالية والوهمية في غاية القوة، وحينئذ تصير القوة العقلية قوية صافية، وربما كانت النفس بحسب أصل الفطرة نورانية إلهية علوية قليلة التعلق بالحوادث البدنية، شديدة الاستعداد لقبول الأمور الإلهية، فتشرق فيها الأنوار