صفحة رقم ٤٩٣
أنه لو لم ينس لم يترك الإنكار، كما فعل عند قتل الغلام، لأن مثل ذلك غير داخل في الوعد، لأن المستثنى وضعاً، ففي الأولى نسي الشرط، وفي الثانية نسي - لما دهمه من فظاعة القتل الذي لم يعلم فيه من الله أمراً - أنه ينبغي تقليده لثناء الله تعالى عليه :( أخرقتها ( وبين عذره في الإنكار بما في غاية الخرق من الفظاعة فقال :( لتغرق أهلها ( والله ) لقد جئت شيئاً إمراً ) أي عظيماً منكراً عجيباً شديداً ) قال ) أي الخضر عليه السلام :( ألم أقل ذلك ( يا موسى ) لن تستطيع معي صبراً ( فذكره بما قال له عند الشرط ) قال ( موسى :( لا تؤاخذني ( يا خضر ) بما نسيت ( من ذلك الاشتراط ) ولا ترهقني ) أي تلحقني بما لا أطيقه وتعجلني عن مرادي بابتاعك على وجه القهر ناسباً لي إلى السفه والخفة وركوب الشر ) من أمري عسراً ( بالمؤاخذة على النسيان، فكل منهما صادق فيما قال، موف بحسب ماعنده، أما موسى عليه على السلام فلأنه ما خطر له قط أن يعاهد على أن لا ينهى عما يعتقده منكراً، وأما الخضر فإنه عقد على ما في نفس الأمر لأنه لا يقدم على منكر، ومع ذلك فما نفي إلا الصبر البليغ الذي دل عليه بزيادة تاء الاستفعال، وقد حصل ما يطلق عليه صبر.
لأنه لما ذكره كف عنه لما تذكر بثناء الله عليه أنه لا يفعل باطلاً، ولم يحصل الصبر البليغ الذي في نفس الخضر بالكسوت في أول الأمر وآخره ) فانطلقا ( بعد نزولهما من السفينة وسلامتها من الغرق والغصب ) حتى إذا لقيا غلاماً ( لم يبلغ الحلم وهو في غاية القوة ) فقتله ( حين لقيه - كما دلت عليه الفاء العاطفة على الشرط.
ثم أجاب الشرط بقوله مشعراً بأن شروعه في الإنكار في هذه أسرع :( قال ) أي موسى عليه السلام :( أقتلت ( يا خضر ) نفساً زكية ( بكونها على الفطرة الأولى من غير أن تدنس بخطيئة توجب القتل ) بغير نفس ( قتلتها ليكون قتلك لها قوداً ؛ وهذا يدل على أنه كان بالغاً حتى إذا قيل قتيلاً أمكن أمكن قتله به إلا أن يكون شرعهم لا يشترط البلوغ ؛ ثم استأنف قوله :( لقد جئت ( في قتلك إياها ) شيئاً ( وصرح بالإنكار في قوله :( نكراً ( لأنه مباشرة.
والخرق تسبب لا يلزم منه الغرق.
الكهف :( ٧٥ - ٧٩ ) قال ألم أقل.....
) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ( ( )


الصفحة التالية
Icon