صفحة رقم ٤٩٥
الشافعي في كتاب الرسالة في باب ما نزل من الكتاب عاماً يراد به العام ويدخلها الخصوص وهو بعد البيان الخامس في قول عز وجل ) حتى إذا أتيا قرية استطعما أهلها ( : وفي هذه الآية أدل دلالة على أنه لم يستطعما كل أهل القرية وفيها خصوص - انتهى، وبيان ذلك أن نكرة إذا أعيدت كانت الثانية غير الأولى، وإذا أعيدت معرفة كانت عيناً في الأغلب.
ولما أسند الإتيان إلى أهل القرية كان ظاهره تناول الجميع، فلو قيل : استطعماهم لكان المراد بالضمير عين المأتين، فلما عدل عنه - مع أنه أخصر - إلى الظاهر ولا سيما إن جعلناه نكرة كان غير الأولى وإلا لم يكن للعدول فائدة، وقد كان الظاهر أن الأول للجميع فكان الثاني للبعض، وإلا لم يكن غيره ولا كان للعدول فائدة.
) فأبوا ) أي فتسبب عن استطهامهما أن أبى المستطعمون من أهل القرية ) أن يضيفوهما ) أي ينزلوهما ويطعموهما فانصرفا عنهم ) فوجدوا فيها ) أي القرية، ولم يقل : فيهم، إيذاناً بأن المراد وصف القرية بسوء الطبع ) جداراً ( مشرفاً على السقوط، وكذا قال مستعيراً لما لا يعقل صفة ما يعقل :( يريد أن ينقض ) أي يسقط سريعاً فمسحه الخضر بيده ) فأقامه (.
ولما انقضى وصف القريى وما تسبب عنه أجاب ( إذا ) بقوله :( قال ) أي له موسى عليه السلام :( لو شئت لتخذت ( لكوننا لم يصل إلينا منهم شيء ) عليه ) أي على إقامة الجدار ) أجراً ( نأكل به، فلم يعترض عليه في هذه المرة لعدم ما ينكر فيها، وإنما ساق ما يترتب عليها من ثمرتها مساق العرض والمشورة غيرأنه يتضمن السؤال ) قال ( الخضر عليه السلام :( هذا ) أي الوقت أو السؤال.
ولما كان ذلك سبب الفراق أو محله، سماه به مبالغة فقال :( فراق بيني وبينك ( يا موسى بعد أن كان البينان بيناً واحداً لاتصالهما فلا بين، فهو في الحقيقة فوق ما كان متصلاً من بينهما، أو فراق التقاول الذي كان بيننا، أي الفراق الذي سببه السؤال، وإذا نزل على الاحتباك ازداد ظهوراً، تقديره : فراق بيني وبينك كما أخبرت، وفراق بينك من بيني كما شرطت، وقد أثبتت هذه العبارة الفراق على أبلغ وجه، وذلك أنه إذا وقع فراق بيني من بينك بحائل يحول بينهما فقد وضع منك بطريق الأولى، وحقيقته أن البين هو الفراغ المنبسط الفاصل بين الشيئين وهو موزع بينهما، فبين كل منهما من منتصف ذلك الفراغ إليه، فإذا دخل في ذلك إلى كل منهما من البينين، وحينئذ يكون بينهما مباينة، أي أن بين كل منهما غير بين الآخر ومن قال : إن معنى ( هذا فراق بيننا ) زوال الفصل ووجود الوصل، كذبه أن معنى ( هذا اتصال بيننا ) المواصلة، فلو كان هذا معنى ذاك أيضاً لاتحد معنى ما يدل


الصفحة التالية
Icon