صفحة رقم ٤٩٩
الذبيح صبر على ما هو قاطع بأنه بعينه أمر الله، بخلاف موسى عليه السلام فإنه كان ينكر ما ظاهره منكر العلم بأنه من أمر الله، فإذا نبه صبر، وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( يرحم الله أخي موسى وددنا لو أنه صبر حتى يقص علينا من أمرهما ) فمعناه : صبر عن الإذن للخضر عليه السلام في مفارقته في قوله ) فلا تصاحبني ( ويدل عليه أن في رواية لمسلم ( رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل لرأى العجب ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة ) ) قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني (.
فتحرر أنه وفي بمقام الشرع الذي أقامه الله فيه فلم يخل بمقام الصبر الذي ليس فيه ما يخالف ما يعرف ويستحضر من الشرع، وكيف لا وهو من أكابر أولي العزم الذين قال الله تعالى لأشرف خلقه في التسليك بسيرهم
٧٧ ( ) فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ( ) ٧
[ الأحقاف : ٣٥ ] وقال تعالى :
٧٧ ( ) أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ( ) ٧
[ الأنعام : ٩٠ ] وقال عليه السلام فيما خرجه الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوذي من بعض من كان معه في حنين فتلوّن وجهه وقال :( يرحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ) وعلم أن في قصته هذه حثاً كثيراً على المجاهرة بالمبادرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكرو المصابرة عليه، وأن لا يراعي فيه كبير ولا صغير إذا كان الإمراء على ثقة من أمره في الظاهر بما عنده في ذلك من العلم عن الله ورسوله وأئمة دينه، وتنبيهاً على أنه لا يلزم من العلم اللدني - سواء كان صاحبه نبياً أو ولياً - معرفة كل شيء كما يدعيه أتباع بعض الصوفية، لأن الخضر سأل موسى عليهما السلام : من أنت ؟ وهل هو موسى نبي بني إسرائيل - كما سيأتي.
روى البخاري في التفسير من روايات نختلفة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أبي بن كعب رضي الله عنه حدثه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( موسى رسول الله - ( ﷺ ) - ذكر الناس يوماً حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولّى فأدركه رجل فقال : أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك ؟ قال : لا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى إليه : بلى عبد من عبادي بمجمع البحرين، قال : أي رب كيف السبيل إليه ؟ قال : تأخذ حوتاً في مكتل فحيث ما فقدته فاتبعه - وفي رواية : خذ نوناً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح - فخرج ومعه فتاه يوشع بن نون حتى انتهيا إلى الصخرة، فوضع موسى رأسه فنام في ظل الصخرة في مكان ثريان إذ تضرب الحوت -