صفحة رقم ٥٠٨
يكون بعده إلى حصول كل من الفريقين في داره ومحل استقراره ؛ ولما كان ذلك أمراً عظيماً، دل عليه بالنون فقال عاطفاً على تقديره : فقد بان أمر ذي القرنين أي بيان، وصدق في قوله ) فإذا جاء وعد ربي ( فإنه إذا جاء وعدنا جعلناه بقدرتنا التي نؤتيها ليأجوج ومأجوج دكاء فأخرجناهم على الناس بعد خروج الدجال :( وتركنا بعضهم ) أي بعض من خلف السد ومن أمامه ) يومئذ ) أي إذ جعلنا السد دكاء وخرجوا مقدمتهم بالشام وساقتطهم بخراسان، وهم - كما قال الله تعالى - ) من كل حدب ينسلون (.
) يموج ) أي يضطرب ) في بعض ( كما يموج البحر، فأهلكوا ما مروا عليه من شيء إلا ما اراد الله، ثم أبادهم الذي خلقهم وبقرب ذلك أفنى الخلائق أجمعين ) ونفخ في الصور ) أي النفخة الثانية لقوله :( فجمعناهم ( ويجوز أن تكون هذه الفاء الفصيحة فيكون المراد النفخة الأولى، أو وانفخ في الصور فمات الخلائق كلهم، فبليت أجسامهم، وتفتت عظامهم، كما كان من تقدمهم، ثم نفخ فيه النفخة الثانية فجمعناهم من التراب بعد تمزقهم فيه، وتفرقهم في اقطار الأرض بالسيول والرياح وغير ذلك ) جمعاً ( فأقمناهم دفعة واحدة كلمح البصر، وحشرناهم إلى الموقف للحساب ثم العقاب أو الثواب ) وعرضنا ) أي أظهرنا ) جهنم يومئذ ) أي إذ جمعناهم لذلك ) للكافرين عرضاً ( ظاهراً لهم كل ما فيها من الأهوال وهم لا يجدون عنها مصرفاً ؛ ثم وصفهم بما أوجب سجنهم فيها وتجهمها لهم فقال :( الذين كانت ( كوناً كأنه جبلة لهم ) أعينهم ( الوجهية و القلبية ) في غطاء عن ذكري ( بعدم النظر فيما جعلنا على الأرض من زينة دليلاً على الساعة بإفنائه إثر إحيائه وإعادته بعد إبدائه ) وكانوا ( بما جبلناهم عليه ) لا يستطعون ) أي استطاعة عظيمة تسعدهم، لضعف عقولهم، وغرق استبصارهم في فضولهم ) سمعاً ( لآياتي التي تسمع الصم وتبصر الكمه، وهو أبلغ في التبكيت بالغباوة والتقريع بالبلادة من مجرد نفي البصر والسمع، لأن ذلك لا ينفي الاستطاعة ؛ ثم عطف على ما أفهمه ذلك قوله موبخاً لهم ومبكتاً :( أفحسب ) أي أغطوا أعينهم عن آياتي وأصموا أسماعهم عن كلماتين وعبدوا عبادي فحسبوا لضعف عقولهم، وإنما قال :( الذين كفروا ( دلالة على الوصف الذي أوجب لهم ذلك ) أن يتخذوا ) أي ولو بذلوا الجهد ) عبادي ( من الأحياء كالملائكة وعزير والمسيح، والأموات كالأصنام.
ولما كان كل شيء دونه سبحانه، وكان لا يستغرق شيء من الأشياء جميع ما دون رتبته من المراتب، أثبت الجار فقال :( من دوني أولياء ) أي مبتدئين اتخاذهم من دون إذني، والمفعول الثاني ل ) حسب ( محذوف تقديرهك ينصرونهم ويدفعون عنهم